ثقافة الانتقاد

الأربعاء - 26 أبريل 2017

Wed - 26 Apr 2017

كنت أتصفح أحد المواقع باحثة عن ما قد يفيدني لكتابات أحد الكتاب فأطلع على أحرفه والآراء حولها، صادفت تعليقات أثارت بداخلي نوبة غضب أغلقت الجهاز، وفي جوفي بركان مستعر، وسرحت باحثة عن إجابة لذلك السؤال «ما الذي أوصلنا لما نحن عليه؟»، أصبحت العادات السيئة تزرع بين مجتمعاتنا، سادت بين تفاصيل حياتنا طبائع عجيبة!

هناك حقيقة أعمت بصيرتنا قبل بصرنا ونحاول تجاهلها، محورها الانتقاد، لم صار المبدع في وطننا العربي يتعرض لهذا الكم من الانتقاص وليس الانتقاد؟!

سؤال ينضم لكثير من الجمل المنتهية بعلامة الاستفهام الموجهة لهذه الأمة.

حين تختلط الأمور على البعض، ويصبح الانتقام عبارة عن كلمات متراصة على رف الانتقاد والنصيحة، وعلى المعني بها تقبلها وإلا صار عليل النفس متكبرا لا يتقبل آراء الغير، هنا تكون أولى الحلقات المفقودة لسلسلة الترهات التي تتقمص دور التوجيه والتحسين في وقتنا الحالي.

وثاني الحلقات في الادعاء للثقافة وصناعة مفرقعات للفت انتباه الغير، فالكثير اليوم يستخدمون مصطلح الانتقاد كجرس تنبيه يجعل الآذان صاغية لما سيأتي بعد رنينه، وكلما جرح أكثر وأغلظ في حديثه، اتفق الجميع على سعة اطلاعه وثقافته المتنامية وذوقه الرفيع الذي لا يقتنع بأي كان.

فيا أيها المتقمص لدور المنتقد «الانتقاد - إذا لم تشمل ثقافتك المعرفة به - هو أن تنتقي كلماتك بحرص وبأسلوب منمق مراعيا جهد المُنتَقد المبذول، أي: إذا أردت أن تنتقد فضع سيف التجريح جانبا، استل فرشاة التصحيح، لون الزاوية الباهتة، أبرز الخطوط المخفية، خفف من حدة نصوع بعض الأجزاء، وصحح المسارات المعوجة، عندها سترى أن اللوحة رائعة ولم تكن تستحق التمزيق.

«كن حريصا على سد الثغرات لا هدم البناء بأكمله»، فنحن الآن بحاجة لمن يحاول ومن يدفع لا لمن يستنقص ويسحب للوراء، كفانا غفوة، فقد غطى الغبار أمتنا واعتدنا على لونها المغبر الذي يسودها، تعبنا من الموت البطيء الذي نعاني من سكراته ونحن نغرق في وحل الظلمات أكثر وأكثر، وكلما صنع أحدنا طوق النجاة قمنا بتمزيقه لأن لونه لا يتناسب مع بشرتنا! فنستمر بالغرق وتعتلينا ابتسامات ساذجة وملامح بلهاء، وما زلنا نمضي في اللامبالاة؛ نحن أمة تعبت من البكاء على أطلال الماضي، متذكرين أياما ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، متشبثين بذكريات لم نشترك بصناعة ولو لحظة منها، اليوم وقد تعالى رصيدنا في الجهل لا يجب علينا إلا العمل وربط الحاضر بالماضي وليس العكس.