صناعة الحلول والأمل

الأربعاء - 26 أبريل 2017

Wed - 26 Apr 2017

نعم.. الإفلاس ليس عيبا.. فرغم تأكيد العديد من الوزراء سابقا بأن الوضع المالي للبلاد جيد، ووصول الاحتياطي النقدي الأجنبي لـ 616.4 مليار دولار، أي ما يقارب من 2311.5 مليار ريال سعودي، وهو ما يمثل المركز الثالث عالميا بعد الصين واليابان، ووجود مؤشرات للتعافي اقتصاديا وفقا للتصنيفات العالمية، إلا أن وزير المالية محمد الجدعان أثار الفزع والجدل بتصريحاته الأخيرة الخاصة بأن «الإفلاس ليس عيبا»، بالفعل ليس من العيب أن تفلس الشركات أو تتعرض لبعض الأزمات الاقتصادية، فهذه طبيعة الأمور، إلا أن تلك التصريحات تغلق أي باب لوضع حل لتعثر هذه الشركات، فالكثير من الدول عندما تتعرض لأزمات اقتصادية، يخرج مسؤولوها للحديث لوسائل الإعلام بشكل متزن، وبصورة متفائلة بتحسن الأوضاع الاقتصادية في المستقبل القريب، ألم يعرف المسؤولون أن «رأس المال دوما جبان»، ولا يتواجد في أي بيئة يوجد بها أي أزمة اقتصادية، فلم نسمع أحدا من المسؤولين في الخارج يبشر رجال الأعمال بالإفلاس، ويطالبهم أن يتقبلوا ذلك، بحجة أن الإفلاس ليس عيبا.

مما لا شك فيه أن الحكومة قامت بعدة إجراءات تقشفية لتقليل النفقات بعد انخفاض أسعار النفط، في محاولة منها لتقليل أثر ذلك، حيث إنها عملت هذه الإجراءات على توفير بعض المال على المدى القصير، ولكن التقشف ليس حلا للخروج من هذا المأزق الاقتصادي، خاصة أننا في حاجة لإصلاح جزري للنظام الاقتصادي، فلك أن تعلم أن نسبة العجز في الموازنة بلغت 16% خلال عام 2015، وفقا لصندوق النقد الدولي، وإذا ما استمر هذا العجز لعدة سنوات بسبب انخفاض أسعار النفط من 100 لـ 50 دولارا، فهذا يعني أن الاحتياطي النقدي الأجنبي سيتآكل سريعا.

علينا أن نصارح أنفسنا بأن الإدارة غير الجيدة لمواردنا أضاعت علينا الكثير من الفرص للقيام بنهضة صناعية كفيلة لتحقق لنا دخلا بديلا عن النفط، فمن المعلوم أن 90% من الدخل القومي للبلاد يعتمد على النفط على مدى أكثر من خمسين عاما، ورغم الوفرة المالية التي تحققت طوال هذه المدة، لم يتم استخدامها في إنشاء صناعات حقيقية، لكي تكون مصدرا للدخل بديلا عن النفط، بل إننا لم ننجح في تخفيض نسبة الاستيراد التي تجاوزت 90% من الاستهلاك العام؛ أو تخفيض نسبة البطالة التي تجاوزت الـ 12.3% وفقا للهيئة العامة للإحصاء في آخر تصريح للمتحدث الرسمي لها، ورغم أن لدينا ملايين من الوافدين، فقد فشلنا في تطبيق «السعودة»، بسبب أن بعض المواطنين لا يرغبون بالعمل في بعض المهن، والبعض الآخر في حاجة للتدريب والتأهيل، وهذا لن يحدث إلا بتغيير ثقافة المجتمع، وتغيير النظام التعليمي الذي يعتمد بشدة على التعليم النظري، ويفتقر للتعليم الفني.

إن سياسة التقشف المتبعة الآن يجب أن تكون في أضيق الحدود وعلى الكماليات، وليس على المشاريع الضخمة أو البنية التحتية، فقد أكدت شركة فيثفول جولد للدراسات الاستشارية أن هناك مشاريع حكومية لا تقل قيمتها عن 13.3 مليار دولار تواجه خطر الإلغاء هذا العام بسب الضغوط المالية وتغير أولويات الحكومة، وإذا حدث ذلك فستتفاقم أزمة البطالة التي تقدر بـ 40% من الشباب، ووفقا لغرفة جدة فإن هناك ما يقرب من ألف مصنع متعثر بسبب الفشل في تطبيق القوانين والأنظمة الروتينية العقيمة، وما زال المسلسل مستمرا دون وضع حل لوقف هذا النزيف الاقتصادي، فقد أعلنت هيئة سوق المال أن تسع شركات مدرجة في سوق الأسهم السعودية معرضة للتصفية «الحل»، في خلال الأيام القريبة المقبلة، ما لم تعدل أوضاعها المالية خلال أسبوعين تقريبا، وتبلغ الخسائر المتراكمة لهذه الشركات نحو 6.54 مليارات ريال، ومن بين الشركات التسع، هناك أربع شركات خسائرها تفوق رأسمالها بنسبة أكثر من 100%.

إن الشركات والمصانع المتعثرة، وخاصة العائلية منها والتي تقدر بــ 247 مليار ريال، قامت الدولة بدعمها بالمليارات على مدى عقود وسنين من بيت مال المسلمين، فبدلا من التصريحات بأن الإفلاس ليس عيبا، لماذا لا تقوم الدولة بدعم الشركات المتعثرة بالإداريين المحنكين لتغير هذا الواقع المشؤوم بدلا من الجيل غير المؤهل من الصف الثاني لملاك تلك الشركات العائلية.. وتطبيق الحوكمة الإدارية والتي سبقتنا بها العديد من الدول المتقدمة منذ سنين طويلة حين علمت أن إغلاق تلك الشركات هدر للمال العام وهدم للاقتصاد الوطني، وبالتالي إغلاق ألوف البيوت من العاملين بها؛ وتستطيع أيضا الدولة بقوانينها أن تعمل على اندماج الشركات المتعثرة مع شركات أخرى ناجحة، خاصة أن الدمج يخفض من تكاليف الإنتاج والخدمات، ويزيد من قدرة الشركات على المنافسة التجارية في السوق المحلي والعالمي، إن إنقاذ هذه الشركات والمصانع المتعثرة أمر في منتهى الضرورة لتحقيق مصلحة العباد والبلاد، خاصة أن إعلان إفلاس هذه الشركات سيؤدي لتشريد أسر موظفيها، وتتفشى بالتالي المشاكل الاجتماعية التي لا يحمد عقباها؛ حيث لا يخفى أن المجتمع ككل بناء واحد، وأي إصابة به لا تعالج سريعا تؤدي بهلاكه ككل تباعا على مر الأيام.