مرزوق تنباك

جماعة كل شيء تمام

الثلاثاء - 25 أبريل 2017

Tue - 25 Apr 2017

خلق الإنسان من مشاعر وانفعالات وأهواء ورغبات تسكن مساحة مهمة من حياته، بل كل حياة الإنسان انفعال وجداني لا يتخلى عنه فيما يعرض له من قضايا الحياة سارها وضارها، ولا يستطيع ذلك بأي شكل كان لأن الانفعال هو الطاقة المحركة التي تدفع إلى العمل وإلى الفعل ورده، إن كل تصرف يتصرف به المرء ما هو إلا نتيجة لانفعال غرائزي متحكم في هذا المخلوق العاقل الذي ينظر في الكون ويخترق مساحاته الواسعة، ويبحث في مجراته العريضة، ويفسر ظواهره بالنظر والتأمل، إلا أنها قد تحكمه الانفعالات في أي لحظة تمر به سواء كانت لحظات السعادة أو لحظات الألم والتعاسة، فيقع في أخطاء كثيرة يصحح بعضها ويستعصي بعضها على التصحيح والإصلاح، وكل ذلك سببه الانفعال السريع والاستجابة المندفعة بلا روية أو تأن، كم جربنا من الانفعالات في شؤون كثيرة، وكم كانت النتائج مخيبة لما كان يرجى منها.



خطورة الانفعال الكبيرة حين تحدد توجه المرء قضاياه الخاصة ومعتقداته التي تسيطر على تفكيره وتستولي على مشاعره وتنحو به منحى قسريا نحو مساحة ضيقة منعزلة هي ما يريده أو يتوقع حصوله، وما يرثه من عادات وتقاليد وما تريده رغباته وأهواؤه وما يحملها من حمولة الإيمان الكامل بسلامتها وصحتها، ويحسب غيرها باطلا لا خير فيه، وتلك خطورة ما يقدم على فعله الانفعاليون في كثير من القضايا التي تواجه طريقهم وتستحوذ على مداركهم وتبتعد بهم عن الوسط الذي يعيشون فيه بسلام.



وأخطر حالات الانفعال أن تقوم التصرفات في كل الأشياء على ردود الأفعال، فليس هناك ابتكار مستقل تمليه على الشخص صاحب القرار رؤية متأنية وتفكير عميق في مقدمات الأمور ونتائجها فيترك للانفعالات الآنية الحكم على مجمل القضايا التي يتعرض لها بصفته فردا حتى لو كان صاحب قرار وموقف، وأكثر من يقع ضحية هذه القرارات ويقع في حوبائها جماعة النخوة والفزعة وجماعات المواقف المسبقة التي يؤول أمرها إلى تحكم الأفراد وتضخيم ذواتهم وإضافة الكثير من العبقرية أو القدسية على تصرفاتهم، وتزكيتها من الخطأ رغم بعدها عن المراجعة والتمحيص.



إن أهم ما يواجه قضايانا العامة من أخطار نلخصها في ثلاث نقاط: النقطة الأولى: ضغط جماعات النخوة والفزعة والحمية لرأي الرئيس أو المسؤول الأول في دائرة العمل العام، والتعصب لما رأى، والقول بما قال وإن كان خطأ. والنقطة الثانية حشد جماعات المواقف المسبقة والآراء المعلبة الجاهزة وتمريرها على علاتها دون تمحيص أو مراجعة ومناقشة أو إعادة النظر في منطلقاتها ومقدماتها، وتوظيف تجارب الماضي ونصوصه لحل مشكلات الحاضر وتعقيداته.



والنقطة الثالثة جماعة كل شيء على ما يرام وكل شيء تمام، وهذه الجماعة مع الأسف أكثرية صامتة لا تضيف شيئا مهما للمجتمع الذي تنتمي إليه، هذه المواقف الرمادية يركن إليها كثير من الناس طلبا للسلامة أو عجزا عن المشاركة وهي في رأيي هروب لا مبرر له من المسؤولية الاجتماعية التي هي حق للجماعة على الفرد.



العمل في الحقل العام يحتاج إلى مؤسسات وتراكم الخبرات والمشاركة في الرأي من الجميع وتقليب الأمور على وجوهها، لأن احتمالات الخطأ في القرارات الفردية والانفعالية المرتجلة وارد. والفرد مهما كانت قدراته وإمكاناته وما يتاح له من القوة والتمكين لا يمكن أن يقوم بوظيفة الجماعة ولا يحل محلها في إدارة الشأن العام. والضمان الوحيد لنجاح أي مشروعات وطنية كبيرة هو التعاون التمام ومشاركة الرأي العام في القرارات المصيرية والإدارية والتنفيذية لتكون مسؤولية الجميع وليست مسؤولية الأفراد.



[email protected]