أحمد الهلالي

العاصوف الموقوف!

الاثنين - 24 أبريل 2017

Mon - 24 Apr 2017

الدراما من الفنون المؤثرة جدا، تسعى قنواتنا الفضائية شرقا وغربا لنقلها إلى المشاهد العربي، حتى أصبحت معرفتنا بثقافة الآخر أكبر من معرفتنا بثقافتنا، وقد شوقني ما أعلنه الفنان القدير ناصر القصبي عن مسلسل (العاصوف) الذي خالف الدراما السائدة لدينا حين اكتفت بالنقد فيما يشبه المقالات اليومية، فاتجه إلى العمق واستحضار بدايات مجتمعنا قبل الطفرة الاقتصادية، لتقف الأجيال الحديثة واللاحقة على طبيعة حياة آبائهم وما كانوا فيه من ضنك العيش الذي فرض عليهم حياة اجتماعية مختلفة عما نحياه اليوم بعد الطفرات الاقتصادية الكبرى.



سوست الصدمة ثنايا ابتسامتنا بمسلسل العاصوف، حين أعلنت قناة mbc عن إيقاف المسلسل لأسباب غامضة، فلم أصدق حكاية (الجدولة)؛ لأن المسلسل حسب التعريف البسيط عنه أوقد جمرة الشوق إلى مشاهدته بأسماء المشاركين فيه، وبالحقبة التاريخية التي يتناولها، وربما تكون قضية الأدلجة هي الحائل الوحيد أمام عرضه، فنحن شديدو التحسب لتحسس فلان أو امتعاض علان، وربما نضطر يوما إلى استفتاءات على امتداد الوطن عن كل فقرة تعرض في التلفزيون.



ولعلي وإياكم نتذكر انقسام الرأي العام حول مسلسل (عمر)، والحملة التحريضية ضده، لكن المسلسل عرض، فكان من الأعمال الجميلة والجليلة التي جعلت المشاهدين يقفون على دقائق ربما لا يعرفونها في سيرة الفاروق، ولا غرابة حين نعلم أن المعترضين غالبا ما يأتون من خارج المؤمنين بأهمية الدراما، ومن البعيدين كل البعد عن استخدامها للإفادة والتوثيق والتأثير.



حين سمعت الإعلان عن العاصوف، تمنيت أن يكون على امتداد خارطة الوطن، أو يحفز الفنانين السعوديين إلى توثيق بدايات مجتمعنا في كل مناطق المملكة، فإن كان بعضنا قد لحق تلك الأيام، أو سمع أحاديث مقطعة عنها من باب المقارنات بين الأمس واليوم من والديه وأجداده، فإن الأجيال اليوم تسمع نتفا لكنها لا تتصور التصور الكامل المؤثر، وهنا يأتي دور الدراما الوثائقية، حين تخلق في عقل الشاب رفوفا للمقارنة بين حياة السابقين وعصره، فبعض الشباب يظن أن الحياة جاءت هكذا، أو أن أبعد حدودها ما يعرف اليوم بزمن (الطيبين) الذي يصور الناس يتمتعون بحياة لا تختلف عن حياتهم اليوم إلا بتطورات التقنية والموضات.



لا يتصور كثير من شباب اليوم أن آباءهم وأجدادهم كانوا يسافرون إلى المدن للعمل في المهن التي يعمل فيها الوافدون اليوم، لا يتصور أن أقرباءه عملوا حمالين وسقائين وبنائين وسائقين وجزارين في الحج، وغيرها من المهن الموقتة البسيطة التي لم تكن عيبا إلا بعد الطفرة والبطرة.



دعوا الدراما توثق، ولا تئدوا جهود الفنانين، وتحاكموها بظنونكم، فإن كذبوا أو زوروا أو مسوا الثوابت الوطنية أو الدينية عنوة، وجاؤوا بما يستحق المحاكمة فحاكموهم، وكونوا أبناء الوطن إخوانا.



[email protected]