عبدالله الجنيد

مئة يوم في احتواء التنين

الاثنين - 24 أبريل 2017

Mon - 24 Apr 2017

إرث ولايتي الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون ينحصر في أربع محطات، زيارته للصين عام 1972، وتوقيعه لاتفاقية سالت واحد مع الاتحاد السوفيتي، وحرب 1973 في الشرق الأوسط، أما آخر إرثه السياسي فقد تمثل باستقالته على خلفية فضيحة ووترجيت.



زيارته للصين مثلت جوهرة التاج في ذلك الإرث، حيث استثمرت الولايات المتحدة شق التباعد الأيديولوجي بين الصين والاتحاد السوفيتي سياسيا. فالولايات المتحدة ارتأت ضرورة القبول النسبي ببعض النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا بعد الحرب الكورية للحد من التوغل الروسي، وذلك ما تحقق فعلا في العقود التالية ولو على حساب الصين أخلاقيا في كمبوديا، إلا أن البراغماتية الصينية نجحت في توظيف الانفتاح الأمريكي عليها في حين انهار الاتحاد السوفيتي في عهد الغلاسنوست.



القطبية الكونية تنحصر فعليا في الولايات المتحدة والصين، أما الاتحاد الروسي فهو لا يتعدى الوريث الشرعي للترسانة النووية للاتحاد السوفيتي. أما مناورات فلاديمير بوتين النزقة سياسيا فهي لإدراكه ضرورة ذلك لإثبات حضوره بين الكبار. من هنا تأتي أهمية التوافق الأمريكي الصيني المشترك على أهمية الاستقرار بدل الانغماس أكثر في حرق الجسور، ومن ذلك قمة فلوريدا بين الرئيسين والتي تخللتها العملية العقابية للنظام السوري والمكاشفة بينهما، كما سرد الرئيس ترمب لقناة فوكس الإخبارية «لقد أخبرت الرئيس جين بينج بالعملية وسألته عن رأيه، فكان رده أن من يستخدم السلاح الكيميائي عليه تحمل تبعات ذلك»، وكذلك تعاطت الصين مع طلب ترمب تدخلها لدى كوريا الشمالية لثنيها عن الإقدام على تجربة نووية سادسة في 15 من أبريل الجاري.



الأيام المئة الأولى من عمر إدارة الرئيس ترمب تشارف على الانقضاء دونما أي شيء يذكر على المستويين الداخلي والخارجي، مما حدا بالرئيس للاجتماع بأقطاب الصناعة لتوضيح أسباب تعثر إطلاق مشروعه الوطني لإعادة تأهيل البنى التحتية كما وعد مرارا. وبالرغم من المآخذ الكثيرة على شخصية الرئيس ترمب إلا أن عفويته قد تحفز الرئيس الصيني جين بينج للتعاطي مع الولايات المتحدة بشكل أقل تقليدية، لكن ذلك لن يعني تخلي الصين عن مبدأ هندسة المصالح لا عقلنة السياسات في (جنوب وشرق بحر الصين، والشرق الأوسط)، إلا أن التحول النسبي في الموقف الفلبيني من إعادة التعاون العسكري مع الولايات المتحدة قد يحفز الصين على إجراء بعض المراجعات النسبية لسياساتها الإقليمية. من جانبها قدرت الصين للرئيس ترمب قرار تأجيل دخول حاملة الطائرات كارل فنسن لبحر اليابان وحفظ ماء وجهها أمام جيرانها، فالكبرياء السياسي جزء أصيل من مكون الثقافة الشرقية، لذلك آثرت الولايات المتحدة القبول بتهكم الإعلام الأمريكي قبل الدولي في قراءة أسباب تأخير وصول مجموعة كارل فنسن القتالية لمياه بحر اليابان بدل مياه كوريا الجنوبية، لكن الصين تدرك أن للولايات المتحدة أكثر من ذراع إن هي قررت إيصال رسائل مباشرة لبيونج يانج حال تجاوزها الإنذار الأمريكي.



الإدارتان الأمريكية والصينية قد امتحنتا حدود الاحتمال Tolerance المقبولة، من هنا تأتي الحاجة لتجنب المزيد من التصعيد وإيجاد بدائل قابلة لتحفيز استدامة الاستقرار. فقرار الرئيس ترمب تقديم موعد زيارة الرئيس الصيني وتأجيل زيارة بوتين التي طال أمد تحديد موعدها يعيد للأذهان استراتيجية نيكسون في الاحتواء المرن للصين، إلا أن نجاح تلك الفرضية مرهون بقبول الصين لفضاءات نفوذ اقتصادي مشتركة، لا افتراض قبول الجميع لهيمنتها السياسية. وللولايات المتحدة الكثير من الأوراق لتحفيز الصين على التقارب دون الحاجة للتهديد بأوراق اقتصادية، فعندما قررت الصين بيع ما يوازي 50 مليار دولار شهريا من حافظة سنداتها الأمريكية لم تعترض الولايات المتحدة حتى بعد دخول ترمب البيت الأبيض، لكن قرار إدارة ترمب في مراجعة كل ما تمخض عن نظام العولمة من اتفاقيات قد يكون بهدف رسم صورة أوضح للصين عن الأدوات المتاحة لهذا الرئيس، هذا بالإضافة للتسريع من وتيرة انتقال الهند لتكون قوة عسكرية حقيقية في زمن قياسي.



[email protected]