الحراك المستمر ومقاومة التغيير

الاحد - 23 أبريل 2017

Sun - 23 Apr 2017

التغيير مشروع شمولي تتبناه الحكومات والمجتمعات والمنظمات. ولأن عالمنا اليوم يشهد حراكا قويا وديناميكية تسارع قوية جدا للمتغيرات، أصبح حتما على المجتمعات وبالأخص المنظمات بمختلف مجالاتها مواكبة هذا الحراك، وتطوير أنظمتها حسبما يستجد، ومواجهة التغيرات الدائمة والمستمرة في بيئة العمل داخليا وخارجيا. وبكل تأكيد بيئة العمل الداخلية لا تقل أهمية وخطورة عن بيئتها الخارجية، بل هي أساس المنظمة المتين وركيزتها الأساسية في التعامل مع البيئة الخارجية، إذ إن هذا التغيير لم يعد ترفا بل أصبح من الضرورات الملحة للمنظمات لتواكب التغيرات المحيطة، وتكون مركزا قويا في خضم قوة المنافسة التي يعايشها عصرنا الآن.

إن قرار التغيير داخل المنظمات يعتبر من القرارات ذات الصعوبة العالية، ويصعب تنفيذها بسهولة بسبب ما يسمى بـ (مقاومة التغيير). تتكون هذه المقاومة من صعوبات حقيقية وأخرى مدركة أو تخيلية، وهذا يتمثل في السلوك الفردي والجماعي الذي يعمل على تعطيل عملية التغيير. وبسبب طبيعة الأفراد التي ترتاح للمألوف وتخاف من المجهول، أصبح من المهم تفهم أسباب المقاومة حتى يمكن التعامل معها، ويجب على متخذ القرار أن يكون على دراية بعلم التغيير، وعلى وعي بسلوك الأفراد في منظمته والتنبؤ بمدى مقاومتهم لهذا التغيير، حيث إن السبب الأعظم لفشل عمليات التغيير في المنظمات هو مقاومة أفراد المنظمة وخاصة (المحاربين القدامى) الذين اعتادوا على العمل بنفس النمط لسنوات طوال ويرون أن التغيير مجرد بلبلة أو مشكلة أو أنه يهدد مصالحهم الشخصية!

ومن الأسباب أيضا الخوف من الخسائر المادية والمعنوية أو سوء الفهم لهدف التغيير، أو الخوف من مخالفة معايير تفرضها جماعات غير رسمية، وخوف الفرد من المخاطرة وخاصة تلك التي تمس مبادئه وقيمه وعقيدته. ومقاومة التغيير تأخذ أشكالا متعددة، منها: انخفاض مستوى الإنتاجية، الصراعات داخل المنظمة، التغيب المستمر.. إلخ. لذا يجب على المنظمة اختيار الاستراتيجيات المناسبة والملائمة لإدارة هذه المقاومة باستخدام طريقة أو أكثر، واختيار طريقة مناسبة تعتمد على معايير معينة تتناسب مع طبيعة المقاومين، وكذلك مراعاة الفروق الفردية وكيفية التعامل مع مقاومي التغيير من النساء أو الرجال، حيث أثبتت الدراسات (وإن كانت نسبية) أن النساء، وإن كان التغيير الحاصل لا يناسبهن، يتقبلنه على مضض خوفا منهن أن يفقدن مناصبهن.. بعكس الموظفين الرجال الذين يبدون انزعاجهم وعلى استعداد أن يدخلوا في صدام مع السلطة العليا.

إدارة المقاومة وذكاء اختيار الاستراتيجية المناسبة لذلك، تختلف أيضا باختلاف المكان، فالذي يناسب العالم الغربي من غير الملائم تطبيقه في العالم العربي! وخصوصا أن الغرب أكثر تقبلا واستيعابا للمتغيرات المحيطة، فتقبلهم لذلك أعلى. وعن مدى تقبل العرب للتغيير يحضرني ما ذكره المؤرخ الشهير ابن خلدون في مقدمته الشهيرة عن العرب في (كتاب العبر)، أن العرب أصعب الأمم انقيادا وتقبلا للتغيير لما يحملونه من صفات وراثية وجينية تجعلهم يميلون للتعصب للقبيلة أو العشائرية (مبدأ العصبية والميل القبائلي)، وإن كان في التغيير خير يبقى ميلهم وولاؤهم الأكبر لجماعاتهم أو لجماعات صديقة.

وأكد ابن خلدون أن التغيير سمة من سمات العمران البشري ولازمة من لوازمه، ولا يحصل تطور الأفراد والمجتمعات والدول إلا به، حيث يقول (إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول). وقياسا على ذلك فإن المنظمات في العالم العربي تعاني عند اتخاذها لقرارات التغيير، ورفضه يكون إما لطريقة المنظمة في فرضه أو لعدم تقبل الأفراد لأي تغيير في بيئتهم!

لذا مقاومة المقاومة ينبغي أن تكون بأسلوب نظيف وشريف بعيد عن القمعية لتحقيق هذا التغيير، إذ إن الغاية لا تبرر الوسيلة!

عملية التغيير لا تعد عملية عشوائية أو تتم بصورة عفوية أو قرار يتخذ عند الفشل!

وكمثال لذلك ما حدث في شركة Amgen (أكبر المنظمات المصنعة لأدوية مرضى الفشل الكلوي وأمراض السرطان)، إذ استطاع رئيسها التنفيذي Kevin Sharer تغيير رفض ونظرة المنظمة وطاقمها للتسويق وأهميته، واستطاع أيضا كسب ثقة الأفراد في المنظمة بإشراكهم في العملية التغيرية ولم يكونوا منفذين فقط! وهذا ما جعل شركة Amgen أكبر منظمة لصنع الأدوية في العالم.

وختاما، إدارة مقاومة التغيير فن من فنون الإدارة له أساليبه وطرقه. ولعلنا ندرك أيضا أن المقاومة تعتبر ظاهرة طبيعية، وقد تكون ذات دلالة إيجابية، إذ قيل في ذلك (إن التغيير الذي لا يقاوم لسنا بحاجه إليه).

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال