محمد حطحوط

40 % أربكت كندا

الاحد - 23 أبريل 2017

Sun - 23 Apr 2017

قام باحث كندي لديه جرعة زائدة من أدرنالين (اللقافة) بعمل دراسة على فريق الهوكي في مدينته الصغيرة. الهوكي هي اللعبة الأكثر شيوعا وجماهيرية في كندا، أشبه بكرة قدم على الثلج. وجد هذا الباحث أمرا مثيرا للتأمل، وهو أن نسبة كبيرة من اللاعبين (40%) ولدوا في شهر يناير! ثم وجد أن 20% من الفريق ولدوا في شهر فبراير، وهو الشهر الذي يليه! ثم تقل نسبة المواليد في كل شهر يمضي حتى تصل لنصف السنة. الأكثر إثارة أن الستة الأشهر الأخيرة من السنة كان عدد كل المواليد فيها من الفريق لا يتجاوز 10%!



وهذا يعني أن نسبة المواليد من شهر أغسطس إلى ديسمبر قليلة جدا مقارنة بشهر يناير والذي يحتل لوحده رقما كبيرا 40%!



وهذه الظاهرة حيرت هذا الرجل الباحث وحيرت العالم خلفه، هل يعقل أن تكون صدفة وبهذا التناغم غير المسبوق؟ في المقابل هناك باحثون ذكروا أنها لا ترقى لظاهرة لأنها حدثت في محيط هذه المدينة الصغيرة. ولكن الرجل صعق المجتمع الكندي حين وسع عينة الدراسة وأخذ فريق الهوكي الأول في كندا! وأخذ بعدها فرقا في شرق الدولة وغربها، وتتكرر النتيجة المثيرة كل مرة، بذات التفاصيل: النسبة الكبرى من الفريق مولود في شهر يناير 40% ثم تقل النسبة في كل شهر يمضي حتى تصل لأقل من 5% في منتصف السنة.



كان لغزا حير كندا والعالم من خلفها، وماذا يقف خلف هذه الظاهرة الحقيقية في مجتمع رياضة الهوكي، هل هي أبراج وحظ، ولكن هذا الخيار لا يصمد أمام أدوات البحث العلمي المعروفة عالميا. ظل البحث عن جواب مقنع لهذا السؤال شبحا يطارد صاحبنا حتى وجد الجواب. اكتشف الرجل أن التاريخ الذي يبدأ قبول الطلاب الصغار في لعبة الهوكي فيه هو الأول من يناير حتى 31 من ديسمبر لذات العام. عندها يتقدم آلاف الطلاب من أنحاء كندا، ويتم عمل اختبارات عملية لهم، لانتقاء أفضل عشرة لاعبين. وكان واضحا في كل مرة أن المولود في شهر يناير يفوز دائما على المولود في شهر ديسمبر من ذات السنة. ولكن سبب الفوز ليس لأن طفل يناير أكثر ذكاء أو أكثر تدريبا، وإنما لأن قدره أنه ولد في شهر يناير، بينما الآخر ولد في ديسمبر، وبينهما فعليا قرابة السنة. وفي علم نمو الأطفال يحسب الفرق بالأسابيع، فما بالك بطفل بينه وبين خصمه 12 شهرا، حيث طفل يناير أقوى عضلات وعظما وعقلا بكثير من طفل ديسمبر. طفل يناير يستفيد من 12 شهرا في صالحه، وهذا سبب تفوقه وفوزه المستمر على من ولد في وقت متأخر من السنة. تماما مثل سباق بين طائرة مدنية وطائرة F-16 ، صحيح كلاهما طائرة، ولكن القدرات تختلف. لهذا عندما تشاهد فيلما وثائقيا لطفل يناير بعد عشرين سنة، وكيف حقق هذا النجاح المبهر، تضحك في داخل نفسك، لأن محدد النجاح هنا لحظة ميلاد وقدر وضعتك في المكان والوقت المناسب. هل هذا يعني إلغاء أن يتعب الإنسان ويكافح للنجاح والوصول له؟ بالطبع لا، ولكن تفسيرك للنجاح على أنه بسبب تعبك وجهدك فقط من الصعب تصديقه. تماما مثل رجل أعمال ناجح وصاحب خبرة مميزة إداريا، وقدره أنه حصل على شهادة الميلاد، ومعها شهادة بنكية فيها 100 مليون ريال ورثها من والده! من الخطأ منهجيا ومنطقيا أن تقارنه بإنسان حقق 10 ملايين من الصفر. الأكثر أهمية من هذا كله عزيزي الأب عزيزتي الأم: لا تحرصا على إدخال ابنكما للمدرسة في سن مبكرة. لأنه ولد في ديسمبر ويقارع أقرانه الأقوياء لغويا وجسديا المولودين في يناير! التبكير في إدخاله قد يعود عليه بالإحباط بقية عمره، لأنه سيظن أنه أغبى منهم ولا يستوعب مثلهم، فتبكير ستة أشهر قد يدمر 60 سنة للأمام! هذه هي نصيحة الكندي مالكوم قلادويل وخلاصة تجربته.



[email protected]