رؤية الصحة 2030

الاحد - 23 أبريل 2017

Sun - 23 Apr 2017

(لقد قمنا بكافة الخطوات الإدارية والقانونية، والتي تمكن الهيئة الطبية العليا من تولي مهامها الجديدة في الإشراف على القطاعات الطبية ومراقبة جودة الخدمات، وإني هنا أعلن لكم وبكل سرور عن إنهاء خدمات وزارة الصحة وتقاعدي من العمل الحكومي).. «وزير الصحة، الرياض، ديسمبر 2029».



النشاط المتواصل داخل أروقة القطاعات الطبية بات واضحا، فمنذ عدة أسابيع وموظفيها يعملون على مدار الساعة، أشبه بخلية نحل وفي سباق مع الوقت، لم يعد يفصلنا سوى أيام قليلة عن الإعلان الختامي لاكتمال برامج التحول الصحي في رؤية 2030، رغم التوتر الذي بدا على وجوه بعض المسؤولين بعد الإشاعات المتكررة في وسائل الإعلام عن عدم اكتمال برامج الصحة، وأنها لن تكون في الموعد المحدد، إلا أن مظاهر الفرح تسيطر على الشعور العام لدى جميع العاملين في لجان تنظيم هذا المهرجان.



لقد أصبح كل شيء الآن جاهزا، وما كان بالأمس حلما بعيد المنال أصبح حقيقة ماثلة أمام الناس، كانت الخمسة عشر عاما الماضية ورشة عمل مستمرة منذ انطلاق الرؤية في منتصف عام 2016، ورغم الخطوات الخجولة في الأعوام الثلاثة الأولى لمسيرة التحول في الصحة وما رافقها من شكوك كبيرة لدى شريحة كبيرة من المجتمع، إلا أن القائمين على تلك البرامج تداركوا الكثير من القرارات، وأصبحوا أكثر تواصلا مع الناس وأكثر استجابة للكثير من المقترحات التي تم طرحها في ورش العمل والمؤتمرات وقنوات التواصل الاجتماعي. طرحت العديد من التساؤلات في تلك الفترة كان أبرزها قلق كثير من المهتمين بالشأن الصحي من الأطباء والإداريين الصحيين حول ما أثير عن النية لخصخصة القطاع العام قبل القيام بإنشاء نظام تأمين يتيح للمواطنين والمقيمين الاستفادة من الخدمات الصحية الحكومية بالإضافة إلى خدمات القطاع الخاص، ثمة تساؤلات أخرى ظلت تترد لأشهر طويلة دون أن تجد الوزارة في تلك الفترة الآلية المثلى للتعامل معها، من يضع معايير الممارسة والأداء المؤسسي والفردي في القطاع الصحي؟ من يقيم الخدمات الصحية؟ كيف نحافظ على الكوادر الوطنية ذوي التأهيل العالي ونشجعهم على البقاء في القطاع العام؟ كانت الأسئلة كثيرة للغاية ومثيرة للقلق والإرباك، وظلت تشغل فكر التنفيذيين في الوزارة وتشغل أيضا مساحة كبيرة من أجندة اجتماعاتهم.



مع مطلع عام 2020، وللمرة الأولى بدأنا نلمس أثر ذلك العمل الدؤوب الذي قام به رجال صادقون في الهيئة العامة لشؤون المستشفيات والتي أنشئت قبل فترة وجيزة وكان من مهامها الأساسية الإشراف والمراقبة على جودة الخدمات في المستشفيات الحكومية، بالإضافة إلى تنظيم الإخلاء وإحالة المرضى بعد أن تم إلغاء العديد من الأجهزة التي كانت عاجزة عن القيام بمهامها بل إنها كانت حجر عثرة في طريق النهوض بتلك الخدمات.



الكوادر الطبية الوطنية والتي لم تخف قلقها في السنوات الأولى على مستقبلها، أصبحت الركيزة الأساسية في تلك المرحلة، أبدى الكثير منهم رغبة وحماسا كبيرين للانخراط في الدورات والبرامج المكثفة التي أنشئت للنهوض بمستوياتهم، بعد أن تمكنت الوزارة من إيجاد جميع الحلول المرضية للمسائل العالقة حول السلم الوظيفي المتعثر منذ سنوات، مما منحهم الاستقرار النفسي، والذي انعكس بشكل واضح على أدائهم الوظيفي.



في السنوات التالية، استمر العمل بنفس الوتيرة، ومثلما كانت الروح المعنوية العالية شعار العاملين على تلك البرامج، فإن الممارسات والتطبيقات كانت موفقة للغاية، وهي أكثر ما كان يخشاه المراقبون، لقد تم اختيار المستشارين والإداريين والعاملين بعناية فائقة ومن خلال الكفاءة والمعرفة الدقيقة والمباشرة للمهام الموكلة لهم، بعيدا عن المحسوبية والقرابة التي كانت سائدة في سنوات الهدر. ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن التنسيق الكبير بين برامج التحول الصحي وبين الوزارات الأخرى كان على درجة كبيرة من التفاهم والتناغم، مما ساهم وبشكل واضح في سرعة إنجاز تلك البرامج.



اكتملت الرؤية وأصبحت الخدمات الصحية أكثر تطورا ونالت الكثير من الإشادة والرضا، صحيح أن معدل الأسرة لم يرتفع كثيرا حيث أصبح 2,5 سرير لكل ألف مواطن بعد أن كان في عام 2016 حوالي 2,1 سرير، إلا أن الخدمات الطبية أصبحت أكثر جودة وسلامة، كما أن قوائم الانتظار لم تعد طويلة، بعد أن أصبح التأمين الطبي للمواطنين والمقيمين متاحا، مما جعل المستشفيات الحكومية والخاصة تتسابق للظفر بتقديم خدماتها للمرضى.



الآن ونحن على بعد أيام من بدء الاحتفالات بنجاح رؤية 2030، وإزاء هذا الشعور الذي تملكني وأنا أشاهد هؤلاء الرجال يضعون اللمسات الأخيرة للمهرجان ويزرعون الفرح في الطرق والميادين، قمت باستعادة شريط ذاكرتي لأحداث تلك الأعوام الخمسة عشر وما رافقها من إنجازات حقيقية على كافة الأصعدة، وشعرت بالزهو والفخر، كما أن الفترة الزمنية التي تم بها هذا التحول الكبير في مسيرة هذا الوطن وإن بدت طويلة حينها، فإني أراها الآن قصيرة جدا، ليست سوى لحظات.