محمد عبدالكريم المطيري

بين بيئة تعليم وأخرى

الجمعة - 21 أبريل 2017

Fri - 21 Apr 2017

أول بحث طلب مني في مرحلة الماجستير في أستراليا كان مقالا نقديا لمقال علمي في مجلة علمية رصينة، ولدينا الحرية في اختيار موضوع المقال ما دام متعلقا بالموضوع الأساسي للمقرر، وهو السلوك التنظيمي وإدارة الأشخاص، ويجب علينا الاعتماد على ثمانية مراجع على الأقل من مجلات علمية موثوقة لنقده.

كنت للتو قد أنهيت مرحلة اللغة، وكان هذا المقال بوابة دخولي لبيئة تعليمية جديدة مختلفة ومغايرة عن بيئتنا التعليمية في السعودية، خلال المرحلة الجامعية - والتي تنقلت فيها بين جامعتين سعوديتين- لم يسبق لي أن قمت ببحث جدي تتعدى جديته مرحلة النسخ واللصق. بيئة التعليم الجديدة قائمة على التعليم الذاتي، حيث تتعلم صنع قارب وكيفية التجديف به لتشق طريقك في عباب بحر العلم، بينما بيئة التعليم القديمة قائمة على التلقين والاعتماد على المناهج المحددة؛ لتتعلم الاعتماد عليها فقط لتكون بذلك فردا في سفينة ملاحها دكتور المادة وأنت فيها تفعل ما تؤمر به ولا يجب عليك أن تتعدى حدود ذلك. ولك أن تتخيل صعوبة أن يطلب ممن كان مجرد فرد في سفينة أن يمتلك قاربه الخاص ويبحر، وهذا بالضبط ما حصل معي وغيري كثير.

التلقين والاعتماد على المقرر المعتمد وحده يخرج جيلا يجيد الحفظ ولا يمتلك الحد الأدنى من أدوات المعرفة من تحليل ونقد واستنتاج واستقراء. الجيل الحافظ غير قادر على تكوين حجة، ويلجأ للاعتماد على ذاكرته لرصف الحجج السابقة لتأييد أو رفض موقف ما، ولذلك تجد العديد من الأفكار السابقة قد بقيت كما هي منذ الأزل بلا تغيير ولا تطوير ولا حتى مناقشة، ونشأ جيل فاقد لثقته بنفسه وقدراته لأنه اعتاد التسليم ولم يعتد أن يشكك وينقد ويحلل ما حوله بصورة منطقية، بل وألبس عليه النقد مع الشخصنة والاتهامات والتطرق لكل شيء ما عدا الموضوع نفسه.

جيل فقد ثقته بنفسه بسبب أن تعليمه مقيد بحدود المنهج المحدد وكل زيادة عنه تعد في حدود غير المقبول بدلا من أن تكون إبداعا وخروجا عن المألوف، بل إن الخروج عن المألوف في بعض المقررات ذنب لا يغتفر.

لك أن تتخيل جيلا نشأ على مثل ذلك وقد فتح له الباب على مصراعيه ليعبر وحده لبيئة جديدة تطلب منه أن يعتمد على نفسه في البحث عن المعلومة وإيجاد المصادر المناسبة لذلك، ماذا سيكون مصيره؟

بالنسبة لي ومن واقع تجربة أرى النتيجة متفاوتة بين من نجح ولا فضل لتعليمه السابق ومن اعتمد على الغش بشتى وسائله المختلفة والسرقة العلمية بـ «خشم الدولار»، وهناك من تميز وهم قلة وهؤلاء هم النموذج الذي يحق لنا الفخر به.

وللمعلومية، من غشوا ليسوا قلة بل يكادون يمثلون غالب الطلاب، يتحمل النظام التعليمي أوزار أخطاء مثل هؤلاء وإن كان ما فعلوه خاطئا للغاية بل وجريمة، لأن النظام التعليمي وإن كان فشل بتقويتهم علميا فمن الأجدر ألا يفشل أخلاقيا كذلك.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال