السير نحو المجهول

الأربعاء - 19 أبريل 2017

Wed - 19 Apr 2017

إن دول الخليج بصفة خاصة ليست مهددة بالإفلاس، كما يشيع بعض المحللين الغربيين الذين أدمنوا التهويل علينا، من أجل إرغامنا على تبني سياساتهم الاقتصادية التي تسمح لرأس المال الغربي بالسيطرة على أصول دولنا، عبر تجميل استراتيجية بيع ممتلكات الدول تحت مسمى الخصخصة (بيع ممتلكات الدولة للقطاع الخاص)، ومن المثير للتعجب أن يتم الترويج بأن الدول غير قادرة على إدارة المنشآت العامة، وأن الخصخصة هي الحل لكل المشاكل، في حين أن أعظم الإنجازات البشرية تمت تحت إشراف الدولة الوطنية ورعايتها، فالانترنت على سبيل المثال تم ابتكارها تحت إشراف الحكومة الأمريكية، ودول مثل الصين وكوريا الجنوبية قامت على الاقتصاد الموجه من الحكومة.

للخصخصة سلبيات كثيرة عادة لا يذكرها المطالبون بها مثل زيادة الأسعار وارتفاع معدلات الفقر، ومن ناحية أخرى فقد تكون الخصخصة سببا في انتهاك سيادة الدول من قبل الشركات الدولية، إن بيع المشاريع التي لها صفة احتكارية يعني سحب المال من جيب الدولة ووضعه في جيب أصحاب رؤوس الأموال، وهذا من شأنه إن حدث أن يهدد أهم مورد مالي للحكومة، ومن الآثار السلبية للخصخصة التي لا يمكن تجاهلها أنها قد تنقلنا إلى حكم رجال المال والأعمال، وحينها ستكون السلطة بيد مجموعة من الجشعين والمنتفعين بصورة غير مباشرة، وحتى لا تكون المقالة مجرد كلام بلا أدلة، لا بد أن نذكر بعض الأمثلة على فشل الخصخصة وآثارها الكارثية.

فلك أن تعلم أن مشروع خصخصة قطاع المياه في بوليفيا أواخر التسعينات أدى لزيادة في الأسعار بشكل كبير، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات وأحداث شغب ومواجهات دموية بين أفراد الشعب وقوات الشرطة انتهت بإلغاء الحكومة البوليفية لقرار الخصخصة، أما دولة تشيلي فعندما قامت بتطبيق الخصخصة دخلت في أزمة لم تعرفها من قبل، وكادت أن تفلس لولا أنه لم يتم بيع شركة «كوديلكو» شركة تعدين النحاس المورد الذي كان يشكل 85% من عائدات التصدير، أما جمهورية تشيك فقامت بخصخصة نحو 1800 شركة في عام 1995 وبعد ذلك تقلص الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 2.5% في 1998 ودخل الاقتصاد في ركود بشكل كبير، وأدت الخصخصة لإثراء البعض على حساب الشعب وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المعرفة بالـ (OECD).

إن السبب الحقيقي لتعثر شركات القطاع العام هو انعدام المنافسة بينها وبين الشركات الأخرى وعدم وجود إدارة محترفة ومتى توفرت هذه المعايير في أي شركة قطاع عام حكومية فستكون ناجحة بشكل تام، والدليل على ذلك نجاح بعض الشركات الحكومية في دبي مثل الخطوط الجوية الإماراتية وشركة «دو» وشركة «اتصالات» بالإمارات، وأصبح البعض منها له وزن دولي، وهذا ناتج من إطلاق المنافسة بين الشركات الحكومية.

في عام 2002، أي قبل 15عاما، أعلنت المملكة عن خصخصة 20 قطاعا لمعالجة عجز الميزانية، شملت تلك الخصخصة بعض الخدمات العامة، وبيع أسهم شركة الكهرباء وفتح المجال للقطاع الخاص في قطاعات كالاتصالات وتحلية المياه، صحيح أن الخصخصة أدت لتراجع الدين العام بنسبة 3.6% في عام 2012، وقللت العبء على الحكومة من ناحية مسؤوليتها عن تقديم بعض الخدمات للمواطن، إلا أن هذا العبء انتقل للمواطن بشكل مباشر، وهذا واضح في ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة للمواطن، خاصة في المياه أو الكهرباء، والكثير ممن يصفوا أنفسهم بالخبراء الاقتصاديين كان يتحدثون على أن الخصخصة باعتبارها حل سحري لمشكلة البطالة، فما هو الحال اليوم بعد وصول نسبة البطالة 12.6% وفقا للهيئة العامة للإحصاء، وما هو المتوقع في المستقبل إذا ما تم تطبيق الخصخصة بشكل كامل في القطاعات كافة، فإذا كان هذا هو الموقف من الخصخصة، فهل هناك بديل؟

نعم، هناك بدائل للخصخصة وليس بديلا واحدا، وعلى الحكومات عدم اللجوء للخصخصة على أنها البديل الوحيد والنهائي لمشاكل القطاع العام، فإعداد دراسات اقتصادية لمعرفة مشاكل شركات القطاع العام من الممكن أن يصبح أكثر فاعلية من الخصخصة، والحديث على أن الخصخصة هي الطريقة الوحيدة لتوفير الأموال للشركات المتعثرة هو أمر خاطئ، فهناك طرق أخرى قادرة على توفير التمويل اللازم لهذه الشركات بعد إعادة هيكلتها وسن القوانين المناسبة لحماية بقائها صلبة قوية، فالجهاز المصرفي يحتوى على ودائع تقدر بنحو 1.6 تريليون ريال (446.1 مليار دولار) بنهاية مارس 2015، ومن الممكن دمج الشركات المتعثرة مع أخرى ناجحة للاستفادة من نجاح الإدارة، وما لم تستغل هذه الحلول فستظل هذه المؤسسات المتعثرة عبئا على الدولة إلا أن يتم خصخصتها، ولن يستفاد منها في بناء دولة متقدمة طال انتظارها في المجتمع السعودي.

وأخيرا، نحن بحاجة للصدق والوضوح أكثر من أي وقت مضى، وأي محاولة للكذب على أنفسنا ستزيد الأمور سوءا، خاصة أن خصخصة القطاع العام لأي دولة قد يرتقي لجريمة في حق الوطن، لأنها قد تشكل خطرا كبيرا وشيكا ومستقبليا ويكون سيرا بالشعوب نحو المجهول.