حاطب ليل

الأربعاء - 19 أبريل 2017

Wed - 19 Apr 2017

يقول ابن خلدون في مقدمة الشهيرة «المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده»، وإن كان قدرنا أن نكون مغلوبين على أمرنا كما يتوهم البعض وأن حضارتنا اندثرت كما يتخيل البعض الآخر، فإن من السفه والحمق أن ننظر إلى النتائج ولا نتتبع الأسباب، إن الرغبة الجامحة في لفت الأنظار بانتشار الصيت أيا كان نوعه أمر بالغ الضرورة عند البعض ومحفزا لترديد ما ترفضه القناعات إن أحسنا الظن في تلك الأنفس أو تداركنا عثراتها بحجة التفكير لإثبات الوجود فقط انطلاقا من رأي الفيلسوف الفرنسي ديكارت «أنا أفكر إذا أنا موجود».

يود العاشق الهائم أن يكون مجتمعه نسخة من الغالبين كما هي مقولة ابن خلدون، كما لوكان ذلك المعشوق هو النموذج الذي يجب الاقتداء به في شتى أفعاله وهو ما يوصف عند أهل الضاد بحاطب الليل، وبعبارة أخرى محاولة للإيهام بسداد الرأي الذي يحمل نكهة الذل والهوان على طريقة «فيا ليتني أرضا وأنت أمامها..». لقد حدد الإسلام علاقتنا مع الآخر فلم يحرم التقارب معه والتعاون في كل ما من شأنه رقي وتقدم الإنسانية جمعاء كما في قوله تعالى»لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» (الممتحنة الآية 8)، بل نهى عن التقمص والتشبه المؤدي إلى المسخ كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم)، الحقيقة المرة التي لا يريد أن يقولها أولئك هي أن الآخر تقدم لأنه أخذ بأسباب النهوض المادية في إدارة مواردة واقتصاده ومحاربته للفساد والمحاسبة عليه وبناء مؤسسات المجتمع المدني وإيجاد السبل الكاملة للمشاركة المجتمعية من خلال منح حق التصويت والانتخاب، مما أسهم في تعزيز الشعور بالولاء للوطن والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع وليس لأنه تخلى عن طقوس الكنيسة التي انسلخت من تعاليم المسيح عليه السلام كإرث عتيد كان وما زال له دوره الكبير في إيقاد شعلة صراعاته، ابتداء من الحروب المقدسة التي كانت تحت لواء الصليب في القرنيين الحادي والرابع عشر الميلاديين، وانتهاء بمجازر الأرثوذكس في البوسنة وتنديدهم الخجول تجاه الجرائم الإنسانية في سوريا والروهينجا. ففي حين أن الصورة الناصعة لحقوق الإنسان التي يتحدث عنها الغرب تبقى جميلة مكتملة العناصر داخل الحدود فاشية، فإنها متوحشة مشلولة شللا رباعيا خارجه وخافتة الصوت إذا ما تعلق الأمر بقضية إسلامية صرفة في الداخل أو الخارج، إن كانت بعيدة كل البعد عن فضاءات مصالحه، أو اعتبرها مهددة لرؤيته وتطلعاته.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال