هبة قاضي

القفز على كتف شيخ

دبس الرمان
دبس الرمان

الثلاثاء - 18 أبريل 2017

Tue - 18 Apr 2017

حين كلمتني تشكو لي خوفها على ابنتها من الانجراف لما يبدو أنه فرصة، ولكن إحساسها كأم يخبرها بأنه أي شيء آخر ما عدا فرصة، ظللت في موقف محايد وأنا أخبرها بأنني سأتحدث مع الابنة وأستفهم منها ثم أعود لها بالخبر اليقين.



حين جلست مع الفتاة ذات العشرين ربيعا والتي ما زالت تدرس بالجامعة وتعمل في وظيفة جميلة تناسب مؤهلاتها بدوام جزئي، طلبت منها أن تقص علي الموضوع من البداية. أخبرتني كيف أن أحد الأشخاص المحسوبين على جهة معروفة، تواصل معها عن طريق موقع لنكد إن (موقع مختص في التواصل المهني) وطلب منها لقاءه لأن لديه فرصة عمل تناسبها. كانت فرصة العمل هي عبارة عن ثلاثة مسميات كبيرة تحتاج عادة إلى ثلاثة من أكبر المختصين والأشخاص ذوي الخبرة والمؤهلات العالية. كما قام بتعريفها على شخص ممن يسمونهم (الشيخ) والذين يستشيخون بناء على حجم الأموال في حساباتهم البنكية والذي لديه علاقات وعليه بالتالي يستطيع أن يفتح لها ولعائلتها الآفاق وييسر لهم كل أمورهم. وصل معها في الحلقة ما قبل الأخيرة إلى أن طلب منها تحديد راتبها وأن تضع شروطها التي تريدها للعمل معهم، وأنهم ينتظرون منها الإشارة ليهرعوا لتنفيذ كل طلباتها فهي بالنسبة لهم فرصة لا تعوض ويعتمدون عليها أشد الاعتماد لإدارة أموالهم ومشاريعهم المليونية.



كثيرا ما نسمع أن الحياة فرصة، بل ونسمع بأن الفرصة التي نفوتها لن يأتي غيرها. عشعشت هذه القناعة في أذهاننا ومعتقداتنا وبناء عليه أصبحت تؤثر على كثير من سلوكياتنا وتصرفاتنا واختياراتنا. فنجد أنفسنا نندفع لما يجب التروي فيه. ونعلق آمالنا وطموحاتنا على مخططات الآخرين. وربما ننجرف فيما لا يمت لما نريده بصلة أو لا علاقة له بما خططنا ورسمنا لأنفسنا فقط لأنه يبدو طريقا مختصرا وميسرا سيأخذنا لمكان عال حتى ولو لم يكن هذا المكان العالي هو المكان الذي نريده. نندفع بقوة، ونعمل بجد، ونبتعد كثيرا عن مسارنا ونحن نتبع تلك الفرصة الذهبية، صامين آذاننا عن تلك الأصوات التي تنصحنا بأنه ليس كل ما يلمع ذهبا، تلك الأصوات التي تحاول تنبيهنا بأن للصعود السريع، والطرق المختصرة عواقب، وآثارا جانبية لا تظهر إلا لاحقا. تلك الأصوات التي تستميت لإفهامنا بأننا لا نمتلك ما يكفي من الخبرة والقدرات لأخذ تلك القفزة الهائلة إلى الضفة البعيدة، وأن السقوط قفزا قد يتسبب في أضرار دائمة تضطر للعيش بها عمرك كله.



بعد أن قصت علي القصة وأخبرتني بكل التفاصيل. ابتسمت لها بهدوء وأنا أخبرها عن استقرائي للموقف من خلال خبرة ومعايشة. وهو أن هذا الشخص إما أنه قليل الخبرة أو شديد الدهاء وفي كلتا الحالتين فإنه سيقوم بتوريطك فيما لا يحمد عقباه. شرحت لها بأنك إذا أردت تدمير إنسان ما فإما أن تحمله أقل من طاقته بكثير، أو تحمله فوق طاقته بكثير. ابتسمت لها بصدق وأنا أخبرها بأنه حتى الإفراط في الطموح والرغبة في التغيير لهما عواقب وخيمة. أخبرتها أن تعيش دور التلميذة في كل شيء، وأن تستمتع بالبدايات الصغيرة، التجارب الصغيرة، الأماكن الصغيرة، الأدوار الصغيرة، المسؤوليات الصغيرة والتي ستعدها تدريجيا للمستوى المتوسط ومن ثم المستوى الأعلى في تدرج طبيعي يتماشى مع تطور إمكانياتها ونضجها وقدراتها. أخبرتها بأنه بإمكاننا اكتساب بعض المهارات القادرة على تسريع تقدمنا، ولكن فرط السرعة قد يؤدي بنا إلى الاصطدام أو الاحتراق داخليا. أخبرتها بأن تعيش لحظتها، وتستمتع بما يماشي عمرها، فالتقدم في العمر والخبرات كفيل بتعقيد سيكولوجية سعادتنا واستمتاعنا. وأخيرا أخبرتها بأنه ما خاب من استخار وما ندم من استشار.



[email protected]