سليمان الضحيان

أهل الذمة المواطنون غير المسلمين

الاثنين - 17 أبريل 2017

Mon - 17 Apr 2017

في الحادث الإرهابي الشنيع الذي نفذه انتحاريان في كنيستين مسيحيتين في مصر في الأسبوع الماضي، وذهب ضحيته عدد من المسيحيين، ولاقى استنكارا واسعا من جمهرة كبيرة من العلماء والدعاة المسلمين، لفت نظر بعض المثقفين مصطلح (أهل الذمة) الذي استعمله أولئك العلماء والدعاة في وصف قتلى التفجير المسيحيين، وتعجب من بقاء هذا المصطلح في ظل دولة المواطنة الحديثة، فما هذا المصطلح؟ وما يترتب عليه؟ ولماذا بقي حتى الآن؟



غير المسلمين في البلدان الإسلامية - حسب وصف الفقه التراثي - (أهل ذمة)، و(ذميون)، أي تعاملهم الدولة معاملة تختلف عن تعاملها مع المسلمين، فلهم حق الحماية والأمن على أنفسهم وأموالهم، وعليهم دفع الجزية لقاء هذه الحماية، وقد فصل فقهاء التراث في أحكام أهل الذمة من حيث إلزامهم بلباس خاص، ومنعهم من تولي المناصب في الدولة، وحرمانهم من ركوب بعض الدواب، وحرمانهم من بناء دور العبادة لهم، ومنع تجديد ما تهدم من كنائسهم. ومحصل هذا كله أنهم يعاملون معاملة دونية في الدولة الإسلامية.



هذا التكييف الفقهي لوضعية غير المسلمين في الدولة الإسلامية أثار إشكالا كبيرا في العصر الحديث، نظرا لتغير مفهوم الدولة، وحلول مفهوم المواطنة الجامعة لكل من يشتركون في العيش في دولة ما على اختلاف أعراقهم وأديانهم.



هذا الإشكال أثار خلافا حادا لدى جمهرة من الإسلاميين في الموقف منه، حيث ذهب بعض المفكرين الإسلاميين - كفهمي هويدي وسليم العوا - وتبعهما في هذا كثير من أتباع الحركات الإسلامية المشتغلة بالسياسة إلى محاولة تأصيل مبدأ المواطنة بين جميع رعايا الدولة الإسلامية بغض النظر عن الدين من داخل التراث الإسلامي، وذلك بالتفتيش عن حديث نبوي يمكن تأويله ليدل على المواطنة، وأثر عن صحابي، وحادثة في صدر الإسلام، والخروج من هذا كله بالقول إن المواطنة التي تساوي بين رعايا الدولة بغض النظر عن أديانهم موجودة في التراث الإسلامي، وجاء بها الإسلام.



وذهب فريق آخر، وهم السلفيون إلا التشنيع على أصحاب هذا القول، ونبزوهم بمحاولة عصرنة الإسلام، ليوافق الفكر الغربي المعاصر، واتهموهم بتعسف تأويل الأحاديث، ورأوا أن مصطلح (أهل الذمة) وما يترتب عليه من التعامل مع غير المسلمين من الأحكام الشرعية الثابتة التي لا يجوز تغييرها.

إذن نحن بين فكرتين، فكرة أن مفهوم (المواطنة) كما هي في الدولة الحديثة جاء بها الإسلام، وفكرة أن مصطلح (أهل الذمة) وما يترتب عليه من الأحكام الشرعية الثابتة التي لا يجوز تغييرها، فأي الفكرتين أقرب للصواب؟



في اعتقادي أن الفكرتين كلتيهما غير صحيحتين، وذلك أن الفكرتين تتفرعان من فهم ثبات الحكم الشرعي في غير العبادات المحضة والأخلاق الكلية، فالرأي الثاني واضح أنه يعول على فكرة الثبات، وأما الرأي الأول فهو يقر بفكرة الثبات أيضا، ويحاول أن يدس فكرة (المواطنة) في تراثنا الديني، فهو يبحث عما يسند مفهوم (المواطنة) من نصوص شرعية أو حوادث تاريخية، ليؤسلمها. لكن إذا نظرنا إلى أحكام أهل الذمة وجدنا أنها من السياسة الشرعية التي هي خاضعة لمنطق عصرها، وهي في تغير دائم وفقا لحركة الاجتماع البشري، ففي الماضي كانت الدولة تطرح نفسها على أنها لأهل دين ما، وعلى أساس ذلك كانت تتم المعاملة بين الدول، ولهذا قسم الفقهاء آنذاك العالم إلى دار إسلام ودار كفر، ولهذا - أيضا - كان المغاير دينيا لا ينظر إليه على أنه منتم للدولة المخالفة له دينيا تمام الانتماء، وكان واقع غير المسلمين في الدولة الإسلامية - وفق أحكام أهل الذمة - متقدما مقارنة بتعامل الدول غير الإسلامية مع رعاياها المسلمين.



وبما أن مفهوم الدولة الحديثة تغير جذريا عن مفهومها في العصور الماضية، فهذا يستلزم تغير التنظير الديني تبعا للواقع الجديد. ومن أهم ما تغير في الدولة الحديثة هو العلاقة بينها وبين أفرادها، فالعلاقة قائمة في الدولة الحديثة على المواطنة بغض النظر عن أعراق الأفراد وأديانهم، أي إن غير المسلم في الدولة لم يعد ذميا خاضعا لأحكام أهل الذمة كما في التراث الفقهي، بل مواطن خاضع لأحكام المواطنة وفق مفهوم الدولة الحديثة. وعلى الذين يرون ثبات أحكام أهل الذمة أن ينظروا لوجوب قرشية رئيس الدولة، وتطبيق أحكام الأسير في الحروب المعاصرة من رق، أو قتل، أو عفو، وغيرها من الأحكام الفقهية في السياسة الشرعية التي تغيرت مع تغير الواقع وفقا لحركة الاجتماع البشري.



[email protected]