شاهر النهاري

الوفاء طبعي يا مصر

الاحد - 16 أبريل 2017

Sun - 16 Apr 2017

تسامرنا أنا وصديقي عبدالعزيز العيد مدير القناة الثقافية، وكان حديثنا ذا شجون حينما تطرق إلى كينونة مصر الكنانة.



حكيت له عن حبي لهذا الوطن، الذي أدين له بالكثير مما وصلت إليه في تركيبتي الفكرية والنفسية، فنصحني بأن أكتب في ذلك، وأن أشرح، عن زمان ومكان وشعب نادمتهم يوما بمنعرج تاريخي.



تلك أواخر السبعينات، حينما لم أجد في وطني جامعة للطب تحتويني، نظرا لقلة أعداد الطلبة المقبولين بجامعتها الوحيدة حينها.

فأتتني فرصة السفر إلى الإسكندرية، في وقت كانت ما تزال متأثرة بطابع الحياة الإغريقية والملكية، في إنسانها، ومبانيها، وشواطئها، وشوارعها، ومحلاتها، وفي تجمعاتها، وفي رقيها، وأزيائها، فكانت أيقونة الشرق، من معظم مناحي الحياة.



لقد تعلمت فيها الطب، على أيدي كبار الأطباء المبدعين، بجامعة عريقة انفتحت معها على مختلف أنواع الثقافات الإنسانية من تراث وتاريخ وأدب وفلسفة وفنون.



وأتذكر عجب مشاعري وأنا أقف أول مرة أمام النيل العظيم، وكيف تسمرت جوار الهرم الأكبر، وتعاظمت دهشتي بالوقوف أمام أبو الهول، وتحت أقدام تمثال رمسيس الثاني، وكم شربت من أصناف العجب بالمرور في المتاحف المبهرة وبين الآثار والمومياوات، والنقوش والرسوم والأيقونات الفرعونية والرومانية والإسلامية البديعة.



لقد دخلت مصر أمنا في عهد كبار الأدباء نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم، وعرفت معهم فنون الرواية والقصة القصيرة، والمسرح.

وعاصرت ألحان عبدالوهاب، وبليغ، وأصوات عبدالحليم، ونجاة، وشادية.



لقد شهدت رموز إبداعات سينما تلك المرحلة، صلاح أبوسيف، ويوسف شاهين، وحسن الإمام، والتي كانت تصور بعضها في أماكن قريبة مني، فيكون لي بها ذكريات وحنين.



لقد حضرت مسرحيات المسرح القومي، ويوسف وهبي، وسميحة أيوب، وأمينة رزق، والمدبولي، وفؤاد المهندس، وشاهد ما شافش حاجة، وانتهى الدرس يا غبي، وريا وسكينة، وغيرها من الأعمال، التي عاشت وعاش بها الشعب.



لقد تجولت في قصور وحدائق المنتزه الملكية، وقلعة قينباي وفنادق سان استيفانون وسان جيوفاني وزنقة الستات، ورحلت لقلعة صلاح الدين، والحارات الفاطمية، وجامع السيدة والحسين، والأزهر، وخان الخليلي، والمسارح الرومانية، ومعبد الكرنك، وأبو سمبل، والتي كتب عليها التاريخ أعرق تفاصيل أصالته.



لقد عبرت طنطا وكفر الزيات في الطريق الزراعي، ومررت من (الرست هاوس)، بالصحراوي، وتمتعت بترعة المريوطية، وشواطئ المعمورة، وأسماك أبو قير، وعذرية وتين سيدي عبدالرحمن، والسلوم.



لقد ركبت القطار المجري، وتهت في محطة مصر، وحفظت ترام الإسكندرية من جليم إلى الرمل، ونزولا بمنزلي في ستانلي.

لقد شجعت فريق الزمالك، وهو يعاند الشياطين الحمر.



لقد عاصرت تغيرات ما بعد حرب أكتوبر، واحتفالات النصر، وثورات الجياع، ومقتل السادات.



لقد عشقت صحف الأهرام والأخبار والجمهورية بشكل يومي، وعشقت رسمات الكاريكاتير، وأهازيج الأبنودي ورباعيات صلاح جاهين.



لقد عشت الليلة الكبيرة، والمولد بلا حمص، وسيد مكاوي، ومسجد العباس، والمنشدين والقراء، وفوازير رمضان، وإذاعات صوت العرب والقاهرة، والشرق الأوسط.



لقد عشقت الحب في شم النسيم، وعلى شواطئ السويس، وعيون المنصورة، وصيف بحري.



تلك مجرد مفاتيح ساعدت في صنع فلسفتي الخاصة، وكم أتمنى أن أرضي صديقي عبدالعزيز، بالحديث مستقبلا بالتفصيل عن تلك السبع سنوات السمان من الحب، الذي لا ينسى.



[email protected]