أسامة يماني

الطيران المدني وناقوس الخطر

السبت - 15 أبريل 2017

Sat - 15 Apr 2017

حادثة تأخر طائرة الخطوط السعودية القادمة من الرياض لعدم توفير مدرج الهبوط تشكل ناقوس خطر مهما حاولت إدارة الطيران المدني تخفيفها وتجميل موقفها، بإقحام الخطوط السعودية في المشكلة بهدف إخفاء الأسباب الحقيقية وراء هذا الحادث، والسؤال هل هو حادث عابر أم هو نتاج لقرارات خاطئة نرى عواقبها، وعليه إذا لم يتم معالجتها وتصحيح الأخطاء فالنتيجة كارثية.



عمل الطيران المدني وإدارة المطارات عمل تخصصي يحتاج إلى خبرات تراكمية لإداراتها، لأن الطيران المدني مرتبط بأنظمة دولية وإقليمية وتعليمات وقواعد ملزمة واجبة الاتباع، فمطارات غرب العالم كمطارات شرق العالم وجنوبه وشماله، تدار بالطرق نفسها، وتحكمها نفس الثقافة والمفاهيم والقواعد والأنظمة والخبرات التراكمية التي هي حصيلة تجارب وخبرات طويلة تتعلق بسلامة الإنسان والأمن وحسن الأداء.



إن مديري وكبار المسؤولين في قطاع الطيران المدني يجب أن تكون لديهم هذه الخبرات التراكمية، أي أن يكونوا من أبناء الجهاز، تدرجوا في العمل فيه وعاشوا في بيئته وتخصصوا في تخصصاته الدقيقة. فليس شرطا أن يكون المدير ناجحا في قطاع زراعي أو بنكي ليكون ناجحا في قطاع الطيران المدني. فقطاع الطيران المدني قطاع تخصصي شديد التعقيد لا مركزية إدارية فيه.



ومن المعلوم أن المملكة العربية السعودية تلعب دورا قياديا في قطاع الطيران المدني في المنطقة وفي العالم، ولها سمعة ومكانة عالمية على المستوى الدولي بنته بجهد رجال مخلصين متخصصين حتى أصبحت عضوا في المكتب التنفيذي في منظمة الطيران المدني في مونتيريال منذ 30 عاما، وكذلك عضوا فعالا في اللجان التي تضع سياسات الطيران في العالم، وهناك أسماء سعودية لامعة في هذا المجال التخصصي.



إن سياسات إحلال قيادات من خارج قطاع الطيران إجراء خطير نظرا للطبيعة التخصصية التي تعتمد على الخبرة التراكمية في قطاع الطيران المدني. ومن المشاهد أن من جاء على قمة الجهاز من خارج هذا القطاع اعتمد واستعان بأبناء الجهاز. ومن هنا تظهر لنا خطورة التفريط في الخبرات التخصصية التي تفهم وتعرف أبعاد هذا العمل الدقيق. لسنا ضد التغيير بهدف التطوير ولكن بدون التفريط في الرصيد الكبير الذي تم بناؤه ولم تبخل الدولة عليه حتى وصلت لهذه السمعة العالية إقليميا ودوليا. كما أن السير في الاتجاه المعاكس، واعتماد المركزية، وتركيز الصلاحيات في المقر الرئيسي، تجعلنا ننظر إلى قمة جبل الجليد، وأن هناك مشاكل أكبر وأعمق تحت السطح، عندما تبدأ في الظهور سوف تؤثر على سمعة ومكانة المملكة العربية السعودية.



المملكة قادمة على موسمي العمرة والحج، وهناك متربصون للدولة، وقطاع الطيران المدني قطاع حساس، والمشاكل الصغيرة مؤشر لجبل الجليد، وكقاعدة عامة إن عدم تدارك الأمور، والبعد عن الشخصنة، والقرارات غير المدروسة سوف تؤدي في النهاية إلى كوارث وأزمات حقيقية. الطيران المدني جهاز شديد الحساسية مغلق لا يعرفه سوى أبنائه، وكنز مكنون لا يعرف عنه إلا المقربون ويحتاج إلى تنقيب بدون تجاوز للأسس التي تتعلق بالجهاز التخصصي الدقيق. فالطيران المدني يرتبط بالأمن وبالاقتصاد وباسم المملكة داخليا وخارجيا.. والله المستعان.