آلاء لبني

فرق تسد!

الخميس - 13 أبريل 2017

Thu - 13 Apr 2017

الصراعات السياسية توالت تاريخيا على أراض مختلفة، وليس الأمر حكرا على منطقة الشرق الأوسط، فتش في التاريخ الجغرافي السياسي للأمم ستجد بحور الدماء قد لونت الخرائط على مدار قرون عدة، فقد غرقت أوروبا في القرون الوسطى قبل أن تستنير عقولها وتقضي على العصبيات الطائفية في الحروب الدينية بين القوة المهيمنة الكاثوليكية والأقلية البروتستانتية، وقد تعددت ميادين تلك الطائفية التي أشبعت العالم الأوروبي مجاعة وفقرا وظلما، ثم توجهت البوصلة نحو الكشوف الجغرافية والحروب الصليبية بمباركة بابوية في حرب المسلمين في المشرق واستغلال قرب يوم القيامة!

أما القرن الـ20 فقد شهد حروبا عالمية حصدت الملايين لأسباب عنصرية وأيديولوجية سياسية وصراع القوة وسباق التسلح، وخرجت قوى من هذا السباق ودول مهزومة محملة بنكبات، ثم توقفت الحروب الدموية بينها وظهر بعض الوعي بأن الحرق والقتل والتفجير لن تلحق غير الدمار لأوطانهم.

وانتهجت مناهج أخرى في الصراع كالاستعمار والاحتلال وتقسيم الثروات والأراضي كتقسيم الكعكة بينهم! وتغيير الخرائط التاريخية وتمزيقها بالوجه الذي يرسم خط الحدود الأقرب لمنافعهم الاقتصادية! ويذكي نار الطائفية، مما يشكل خطرا دائما وبذات الوقت اغتصبت أرض فلسطين وسلمت لليهود.

وبرز صراع الحرب الباردة بعد انتهاء تحالف المصالح في الحرب العالمية بين الغرب والاتحاد السوفيتي. بالإضافة للحروب العديدة التي شهدتها أوروبا الشرقية بسبب الصراعات السياسية والطائفية والعرقية، ومنها حرب البوسنة مع الصرب والتي حدثت بها أول إبادة جماعية بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا والتي كان مجمل ضحاياها من المسلمين البوسنيين والتي انتهت بالاستقلال والسلم بعد مرارة الحرب.

هل انتهى الخلاف في الغرب؟ بالطبع لا فما زالت هناك الكثير من القضايا محل خلاف خاصة تلك التي ترتبط بالقومية والأقاليم التي تسعى للاستقلال وغيرها من القضايا، ولكنهم انتهجوا منهج السلم والتعايش والجلوس لطاولة الحوار وإن رجحت الحلول لكفت الأكثر هيمنة وقوة اقتصادية.

هل انتهى صراع القوة في العالم؟ لا لم ينته بل دارت رحى الاختلاف بين القوة المتصارعة على أراضي غيرهم وما زال مستمرا، خوفا على أراضيهم مستفيدين من دروس الحروب الماضية، كاستغلال أفغانستان والعراق وسوريا بضعف أنظمتها أو ديكتاتوريتها أو ضعف السياسات الاقتصادية الفاشلة مع اللعب على أوتار الطائفية (فرق تسد).

استغرق العالم الأوروبي أزمانا طويلة حتى يفكك العصبيات الطائفية والدينية والمذهبية بينهم تصل إلى 300 عام، أرجو ألا نستغرق دهرا لنعي ضرورة تفكيك العصبيات الطائفية والدينية والمذهبية التي تهدد أوطان العالم العربي.

تفجير الكنائس في طنطا والإسكندرية بمصر جريمة تجرد منفذها - أيا كان - من مشاعر الإنسانية، تكرار هذه الحوادث والتفجيرات الخائنة يسعى لتزكية روح الانتقام وإنماء الطائفية.

التفجيرات الخائنة في أرجاء الوطن العربي تصيب المساجد والكنائس يريدون أن تعم الفوضى وينعدم الهدوء والسكينة حتى في دور العبادة، ينتحرون حتى ينحروا الأمل في التعايش والأمن.

مصر من أهم الدول العربية التي يحقق نماؤها واستقرارها توازنا في منطقة الشرق الأوسط.

من المستفيد من تأجيج نار الطائفية؟

تلك النيران التي تحرق الأوطان هي مقبرة الدول والتقدم والتحضر والتي ابتلينا بها فانتشر التعصب في الأراضي العربية بكل أطيافه، سواء لرأي سياسي أو ديني أو مذهبي أو طائفي أو حزبي، الوطن يحتضن الجميع ولا يفرق بين أي هوية وأي مرجعية.

الصراع وانفجار الطائفية في العالم العربي يتأججان باختلافنا وتناسي القواسم المشتركة، وهو القاتل البطيء للمواطنة، والذي يحقق طموح برنارد لويس الأمريكي الصهيوني ورغبته المقيتة بوجود 41 كيانا عربيا وسنيا وشيعيا وكرديا وعلويا ومسيحيا ويهوديا في المنطقة العربية!

الصراع الطائفي الديني يخالف الإسلام الذي كفل حق التعايش للجميع، وخير ما أدل على ذلك المعاهدة العمرية بعد فتح بيت المقدس، والحضارة الأندلسية التي كانت بوابة تحرر أوروبا من العصور المظلمة. تقول المستشرقة الألمانية زيجريد: (العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود – الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة التعصب الديني – سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم).

لأولي الألباب نجاة الشعوب بتحقيق العدالة وإخماد نيران الطائفية والحروب ودفعها نحو القواسم المشتركة والاجتماع والانشغال بالإنتاج والتصنيع وبناء الإنسان والأوطان، كما خرجت اليابان مهزومة من الحرب العالمية الثانية بعد قنبلتين نوويتين، تحدت التاريخ والعوامل الجغرافية لفقرها بالموارد، وسعت إلى بناء الإنسان فجمعت شتاتها وتقدمت صناعيا وتكنولوجيا وفرضت على العالم احترامها.