ناصر عليان الخياري

حديث في التربية

الخميس - 13 أبريل 2017

Thu - 13 Apr 2017

التربية مهمة شاقة، سهلة حين تكون المسألة في إطار التنظير. لكنها تأخذ خاصية المشقة والتعقيد حين تكون في جانب التطبيق. في مجتمعنا تشكلت مفاهيم اجتماعية لعملية التربية عبر عدة مراحل، ساهمت المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في تطور مفهومها، وتحول الممارسة التربوية من شكل إلى آخر. المجتمعات (الريفية) تكون السلطة التربوية فيها للمجتمع، وبذلك يكون أفراد المجتمع المحدود ممارسين بشكل مباشر في عملية تربية جماعية، فهم يوجهون، ويرفضون، وربما يعاقبون، لذلك فإن أفراد المجتمعات الريفية أكثر تقيدا بالعادات والتقاليد الاجتماعية. وهم بالتالي نتاج تربية ذات مفهوم محدد يتفق عليه الجميع، بل ويتآزرون على تطبيقه، وينبذون من يحيد عنه أو يختلف معه.

في مجتمعنا الذي مر بمراحل تحول متعددة، أضحت الحياة اليوم مدنية بسرعة مربكة، فقد اختفت تماما مجتمعات الأرياف، ومعها أضحت المفاهيم التربوية القديمة غير ملائمة إطلاقا للمجتمعات الحديثة التي يكتنفها العديد من المتغيرات المتسارعة التي تمس كيان الفرد والأسرة معا، في عصر أصبحت لغته رقمية، وقيمه أكثر تحررا وأقل ثباتا.

وتنوعت فيه مصادر التربية، وتقلص دور الأسرة الرقابي، بل تجاوز الانفتاح الإعلامي، وسهولة الوصول إليه حدود المتوقع. وهذا ما يجعل مسؤولية التنشئة الاجتماعية الملقاة على عاتق الوالدين مسؤولية كبيرة، مما يتطلب مضاعفة الدور التربوي الذي يقومان به أمام هذه الفوضى الإعلامية التي تسقط أمام سطوتها هيبة الرقيب، وتنفرط قدرته على التوجيه والتحكم الإيجابي.

أمام هذه المتغيرات المتسارعة، لا بد من بلورة أسلوب الممارسة التربوية، ليكون قادرا على ملامسة الجانب التطبيقي الخاص لكل أسرة بحسب طبيعتها الأسرية. فما كان يمكن ممارسته من الأساليب التربوية الخاطئة في السابق، وينجو من آثاره الطفل، بفضل ما يجده من روافد دعم إيجابية في المجتمع، ستكون له آثار سيئة اليوم على الطفل في ظل تصاعد المدمرات السلبية من حوله. فالاحتجاج بسلامة ممارسة هذا الأسلوب التربوي في الماضي، وكونه أنتج أجيالا لم تتضرر منه، احتجاج باطل، فما يدرينا أن تلك الممارسات لم تؤذهم في وقتها، ولم تترك ألما نفسيا بغيضا في أعماقهم، ولم تؤثر في سلوكهم. أليس هناك منهم اليوم من يمارس إيذاء أسريا لأطفاله، أو زوجته، أليس في الماضي من مارس ذلك بصورة بشعة؟! أليست تلك آثارا لتربية العنف الخاطئة؟

أطفالنا اليوم بحاجة إلى أساليب تربوية حديثة تراعي المتغيرات المتسارعة، وتشبع حاجاتهم، وبحاجة إلى أن يزداد الوالدان وعيا بمفاهيم التربية الحديثة، وأساليبها، وذلك من خلال الاطلاع المستمر على الأبحاث والكتب المتعلقة بذلك، والاهتمام بالبرامج التربوية المفيدة، خاصة في ظل سهولة الوصول إلى المعلومة. مع أن المعلومة ذاتها غير مفيدة إن لم تترجم إلى ممارسة تربوية. ما أود أن أخلص إليه في هذا المقال أن إهمال أطفالنا اليوم بحجج قديمة وتبريرات متوارثة أو الإصرار على التربية التقليدية خطأ فادح بحقهم.