عبدالله محمد الشهراني

الأفكار وصناعة المستقبل

الأربعاء - 12 أبريل 2017

Wed - 12 Apr 2017

قبل خمس سنوات وفي دبي تحديدا، كنت مشاركا في دورة تدريبية بعنوان «المهارات القيادية المتقدمة»، كنت محظوظا بلقاء البروفيسور فريد زين الدين، لقد كانت أفضل دورة تدريبية حضرتها في حياتي، كان البروفيسور فريد يكرر علينا هذا السؤال طيلة فترة الدورة التدريبية، كيف نصنع المستقبل؟



قبل سنوات عدة أخرجت لنا شركة أبل جهازا يدعى «ايفون» وفاجأتنا بعد ذلك بجهاز آخر يسمى «ايباد»، في ثورة تقنية ربما تكون قد سبقتها إليها أحدى الشركات، لكننا نتحدث عن منتجين «ايفون وايباد» تميزا بالجودة والتقنية المتقدمة سواء في الجهاز نفسه أو البرامج والتطبيقات، لقد صنعت لنا شركة أبل المستقبل وشكلت سوق الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وجعلت بقية الشركات تتنافس خلفها «في تلك الفترة».



إن صناعة المستقبل وقيادة السوق لا تتم إلا عن طريق الإبداع والابتكار وفي عالم الطيران ما زالت الأرض خصبة لنمو الإبداع وابتكار المنتجات، لكن أغلب شركات الطيران تفضل اللحاق بالسوق وتقليد ما هو موجود فيه أو أن تتقاعس حتى يتم إجبارها على التطبيق لاحقا.



ففي عام 1994 تم تطبيق نظام التذاكر الالكترونية في شركة يونايتد الأمريكية موفرة بتلك الفكرة الرائعة الكثير من التكاليف والجهد، وضامنة للمسافر عدم ضياع التذكرة، فبدأت شركات الطيران بتقليد الفكرة طوعا، وأجبرت لاحقا بقية الشركات على الأخذ بالفكرة بعد قرار منظمة الطيران العالمية IATA في 2004.



قيادة السوق تحتاج دوما إلى قرارات شجاعة تكون فيها المخاطرة عالية نوعا ما، كتلك التي قامت بها شركة طيران الإمارات عند شرائها طائرات من نوع A380 وبعدد كبير «82 طائرة في الخدمة حاليا و60 طائرة أخرى تحت التصنيع»، هذا القرار جعلها تستحوذ على نسب كبيرة داخل الأسواق الهندية والآسيوية والأمريكية، إضافة إلى سوق الشرق الأوسط، لحقتها بعد ذلك جارتها الخطوط القطرية وشقيقتها طيران الاتحاد في أبوظبي. وفي مثال آخر عن ابتكار المنتجات فاجأت شركة طيران فيرجن أمريكا العالم في 2009 بمحادثة سكايب مع أوبرا وينفري على ارتفاع 37 ألف قدم، معلنة بذلك تقديم خدمة الانترنت داخل طائراتها، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم ما زالت تتسابق شركات الطيران في تقديم هذا النوع من الخدمة إلى عملائها بفارق كبير، فبعض شركات الطيران تقوم ببيع هذه الخدمة بسعر باهظ وأخرى جعلتها بين أيدي المسافرين بالمجان.



ولا ننسى شركة راين اير التي سوف تصنع مستقبلا جديدا في عالم الطيران قريبا، إذ تنوي الشركة جعل رحلة الطيران بالمجان، معتمدة على منتجات جديدة والإعلانات داخل الطائرة (حاليا راين اير مطلعه عيون الشركات الأوروبية، أسعار تذاكر لا تصدق).



تحتوي بعض شركات الطيران على مراكز أبحاث وتطوير أو بمسميات أخرى، الهدف منها إنتاج الأفكار والمنتجات والبرامج التي تضمن لهذه الشركات الريادة والسيطرة على السوق، وشركات أخرى تتخوف من الإبداع والابتكار وخاصة شركات الطيران الموجودة في دول العالم الثالث، فتضع العقبات على شكل شروط ومتطلبات وما إلى ذلك، لكن وعند استيفاء الفكرة للشروط والمتطلبات، يأتي السؤال العجيب من المسؤول: هل تم تطبيق هذه الفكرة من قبل؟ كيف يكون قد تم تطبيقها وهي فكرة إبداعية جديدة!، لقد اعتاد كبار تنفيذيي بعض شركات الطيران على حماية أنفسهم وذلك بالابتعاد عن أي مخاطرة والاكتفاء بالتقليد. وإنه من الغريب إفلاس بعض شركات الطيران أو إعلانها عن خسائر متكررة وهي تملك مقومات النجاح من توفر أيد عاملة وموقع جغرافي ودعم حكومي، إضافة إلى سوق يتميز بالنمو في الطلب.



إن الإبداع والابتكار عملية ديناميكية، توقفها يعني التراجع وتسليم القيادة للغير، لذا لا بد أن تتبنى شركات الطيران استراتيجية دعم الإبداع والابتكار من خلال إنشاء مراكز حاضنة لها، أو على أقل تقدير الإعلان عن مسابقات لأفضل فكرة أو ابتكار.



باختصار، الأفكار أو ترك القيادة.



[email protected]