وادي فاطمة.. مجلة أطلال توازن بين حضارتين

الثلاثاء - 11 أبريل 2017

Tue - 11 Apr 2017

تحت هذا العنوان (باحث يقارن بين الأدوات الآشولية بوادي فاطمة مع نظائرها بالدوادمي) المنشور بصحيفة مكة يوم الثلاثاء الموافق 7/‏7/‏1438 نشرت لكاتب هذه السطور مقابلة، حيث تطرقت ضمن المقابلة لدراسة نشرت بمجلة أطلال الحولية بالعدد (11) من عام 1409هـ تحت عنوان (مجموعة من المواقع في جدة ووادي فاطمة)، وهي من أهم الدراسات التي تناولت العصور الحجرية بوادي فاطمة، أو كما تسمى دراسات ما قبل التاريخ، وفي اللقاء حاولت استقراءها والتنبيه إليها، وهذه الدراسة هي التي قارنت بين الأدوات الحجرية بوادي فاطمة مع نظيراتها بالدوادمي، حيث نشرت المجلة لوحات رسومية شملت المظهر العام والوظائف الأدواتية من قبل مختصين في هذا المجال النادر، ولم يكن لي سوى استقرائها فقط، حيث قصدت عرض الدراسة وليس بوسعي أن أضع تنظيرا علميا لا يجيده إلا المختصون في دراسات ما قبل التاريخ. ولم تكن لي الجرأة في تطبيق دراسة بهذه المستوى العلمي، وما تطرقت له في اللقاء عبارة عن تتبع دراسة مضى عليها قرابة الثلاثين عاما، حاولت فقط الإشادة بها باعتبارها رائدة في عمقها وتستحق منا التنويه والإشادة، لهذا أنبه القارئ حتى لا تلتبس عليه الأفكار.

والحق أنها لم تكن الأولى فقد سبقت قبل ذلك بدراسة مشابهة من ذات المجلة، وجميعها دراسات مسحية ولم تكن تنقيبية وهذا مهم جدا عند تحليل عمق الدراسة. ركزت الدراسة هذه على الشق الجيولوجي باعتباره مدخلا قويا لكيفية تعامل الصانع مع الأدوات الحجرية وكمياتها وطريقة تحويرها وتهيئتها ومدى سهولة أو صعوبة إعدادها وتوفرها، وهذا مهم طبعا إذا ما فهمنا نوعية الصخور بين بازلت وجرانيت ونايست.. الخ، وهذا أمر مألوف في علم الآثار، ففي القرن الماضي كانت عصور ما قبل التاريخ تصنف ضمن الدراسات الجيولوجية.

لا شك أن هذه الدراسة منحت وادي فاطمة بعدا حضاريا واسعا نظرا لكمية المعثورات ونوعية الوظائف وطريقة تصنيف الأدوات، ولقد كان من المتوقع أن يمهد هذا الكشف لدراسات مستقبلية أكثر شمولا وأدق عمقا في سبر هذه المرحلة التاريخية. علما أن هناك ثلاث رسائل أكاديمية تناولت هذا الوادي ولامست قدرا محدودا من هذا التاريخ القديم. ولكن الأهم تلك الدراسة الجيمورفولجية التي نفذها الدكتور محمد سعيد البارودي عام 1981 متزامنة عمليا مع تاريخ دراسة أطلال ونشرت بتاريخ 1406هـ، وتعد من أدق الدراسات بعد أن تمكن الباحث البارودي من تحديد مصادر مياه وادي فاطمة وعمقها الجيولوجي والتاريخي، ويظهر لي أنها كانت مهمة جدا في تزامنها والاستفادة منها كمكمل رئيس لمشروع الدراسة الأطلالية. ولا بأس أن تعاد الدراسة برؤية جديدة، فلدى الهيئة العليا للسياحة والتراث الوطني تطلع جيد لتنفيذ مثل هذه الدراسات.

وبوسعي ومن خلال رؤية المستوطنات البشرية الشاسعة أن أؤكد أن هناك مجموعة من الحضارات تتابعت بوادي فاطمة وتعاقبت تبعا للخواص الحضارية والثقافية، ويمكن أن نسمي أصحابها (بالمرانيين) بفتح الميم نسبة لوادي مر وهو الاسم التاريخي لوادي فاطمة.

فهناك لا شك حضارة آشولية وأخرى موستيرية وتصنف في حقبة ما قبل التاريخ وما تطرقت إليه المجلة الأطلالية يثبت هاتين الحضارتين. ولا نعلم شيئا حتى الآن عن (جنسهم وكيفية وصولهم)، ثم استجدت حضارة أخرى وتعود لما قبل الإسلام وهي عربية قديمة لا شك، ومن أهم خواصها النقوش والرسوم والكتابات القديمة، ثم وصل المهاجرون العرب من جنوب الجزيرة العربية ضمن مسلسل الهجرات السامية المتتابعة واستوطنوا الوادي حول المياه، ومن هؤلاء العكيون والخزاعيون، ونجد لهم قدرا من الأخبار عند الطبري ولا أستبعد أن العماليق المشار إليهم عند الأزرقي سبقوا هؤلاء أو زامنوهم بموجب النصوص التاريخية فقط، ولكن ليس لدينا حقائق مادية أو سجلات تاريخية تفصل تاريخهم وبقي منهم من واصل حضارته حتى بعد الإسلام، وما هذه الخيوف وقنواتها إلا من نتاجهم ولو فحصنا الواجهات الصخرية المحاذية لمصارف مياه وادي فاطمة لتوصلنا إلى حقائق مذهلة.

وليس بالضرورة أن نستنفد جهدنا في كيفية ترابطها وتتابعها التاريخي فيكفينا بعض من هذه المناشط فالعيون وقنواتها واللقى المختلفة الوظائف والسمات والمنشآت الحجرية والرسوم والنقوش تعطينا مؤشرا قويا لفك خواص هذه الحضارات وترتيب قيمتها الإنسانية وتصنيفها ثقافيا وفق الدلائل والمقومات البشرية والحضارية.