سليمان الضحيان

أيتها المرأة.. كوني حرة

الاثنين - 10 أبريل 2017

Mon - 10 Apr 2017

يروى أن بيلاطس الوالي الروماني للمقاطعة اليهودية في فلسطين سأل المسيح - عليه السلام – عما يفعل، وعما يقال عنه، فأجابه المسيح قائلا: جئت إلى العالم لإعلان الحقيقة، فقال بيلاطس: وما الحقيقة؟، وقد أصبحت مقولة بيلاطس هذه تعبيرا عن غموض بعض المفاهيم مع كثرة تداولها بين الناس، وربما كان مفهوم (تحرير المرأة) أو (حرية المرأة) في عالمنا العربي من هذه المفاهيم التي تتداول كثيرا، فتحرير المرأة من أي شيء؟، فثمة قيود كثيرة على المرأة، منها الدينية، ومنها قيود الأعراف والتقاليد والمواضعات الاجتماعية، والقيود الدينية منها ما هو من قطعي الدين، ومنها ما هو اجتهادي من استنباط الفقيه وفقا لظروف عصره ومتطلباته، فأي من هذا كله يراد تحرير المرأة منه؟



ونظرا لهذا الغموض أصبح مصطلح (تحرير المرأة) في المخيال الديني ذا حمولة سلبية جدا، فهو يحيل في ذهنه إلى عالم الانفلات التام، والتحرر من أي قيد ديني أو أخلاقي أو اجتماعي، فما سبب غموض هذا المفهوم؟



السبب في هذا أن (تحرير المرأة) نشأ لدينا متأثرا بالحضارة الغربية، ومثله كثير من المفاهيم التي نشأت في سياق الحضارة الغربية ثم نقلت إلينا بحمولتها الثقافية دون إعادة توطينها وفق متطلبات البيئة العربية وقيمها وتقاليدها وحاجاتها، كمفاهيم (الفن)، و(الحداثة)، و(حقوق الإنسان)، وغيرها من المفاهيم الحديثة، وهذا ما أحدث انقساما شديدا تجاهها، فمثلا تجد موقف عامة الناس من تمثيل المرأة يختلف عن موقف النخبة حتى إن الفنانة نفسها - في سبيل مدح أسرتها - تتحدث عنها بأنها أسرة محافظة، وأنها واجهت ممانعة شديدة في بدايتها من أسرتها، والفنان نفسه يرفض تمثيل ابنته في مشاهد رومانسية حميمية مع قيامه هو نفسه بتمثيلها، والتلقيب بـ (الراقصة) في الاستعمال الشعبي يراد به الذم الشديد مع استضافة الراقصات في الإعلام للحديث عن مشوارهن في فن الرقص، والتنويه بفنهن.



قارن هذا بموقف الغربيين من هذا كله، فالفارق بين المجتمعين أن الغربي لا يجد تناقضا بين قيمه الاجتماعية وما يؤديه من تمثيل؛ لأن الفن نابع من ثقافته وفكر مجتمعه.



وكثير من المثقفين يتصور أن مجرد تقليد الغربيين في لحظة ما هو اندماج في الحداثة ونقلة تطويرية للمجتمع، ولهذا تجد أن بعضا منهم يتحدث عن تحرير المرأة بحسرة، ويرى أن المرأة في الخمسينات والستينات في مصر والشام مثلا أكثر تحررا منها الآن، وأن تحريرها أصيب بنكسة.



والحق أن ما حصل لم يكن تحريرا حقيقيا (بغض النظر عن تقويم ما حدث)؛ إذ لم يكن نابعا من تغير فكري طبيعي مر به المجتمع أدى لتغير قناعات المجتمع فيما يخص قضايا المرأة، وتبع هذا التغير الفكري تغير في واقع المرأة، بل الحكاية أن احتكاك العرب بالحضارة الغربية أنتج تقليدا ظاهريا، وغالبا ما كان هذا التقليد محصورا في النخبة، ثم بعد انتشار التعليم والوعي بالذات رجع المجتمع يفتش عن ذاته في قيمه بغض النظر عن تقويم هذا الرجوع أيضا.



ومحصل القول إن الدعوة إلى تحرير المرأة، وطرح شعار (كوني حرة) مع عدم تبيان المقصود بـ (التحرير)، و(الحرية)، هي دعوة منحازة؛ لأنها تفترض أن ما يدعو إليه من طرح الشعار هو الحرية والتحرر، وبمفهوم المخالفة كل ما يخالف ما يدعو إليه صاحب الشعار هو قيود وعبودية.



والحق - بعيدا عن الشعارات وتجاذب التيارات الفكرية - أن كل ما تفعله المرأة وهي مؤمنة به - مهما كان - هو حرية لها وتحرر من أي هيمنة وإكراه، وكل ما ترغم عليه المرأة دون إيمان منها به - مهما كان - هو عبودية لها وتقييد.



[email protected]