محمد حطحوط

قينشي قومبتسو 1970

الاحد - 09 أبريل 2017

Sun - 09 Apr 2017

بعد عودتي للسعودية، يتصل - رجل كبير في السن لا أعرفه ولم ألتق به - كل ليلة عيد مسلما، بصوته الحجازي الجميل (كيف حالك يا بني؟) فأجيبه محرجا: لا تتعب نفسك يا والدي.. أنا أتصل بك، فيأتي ذات الرد الذي يتكرر كل عيد: (سأتصل بك يا بني ما دمت حيا.. وإذا أتى عيد لم أتصل فيه بك، فاعلم أني انتقلت إلى رحمة الله ولا تنسني من دعائك)! بدأت معرفتي بـ(ع.خ.) أو أبو هاشم، عام 2011 في فورة الربيع العربي، حيث كان لديه ربيعه الخاص، وقصته الخاصة التي تغطي رقعة تزيد على 50 عاما!



بدأت الحكاية في خريف 1970 عندما ابتعث لأمريكا الأخ الأكبر لأبي هاشم، حيث كان يتقلد منصبا جيدا، وبعد سنوات عاد لوطنه، وتم تعيينه في منطقة نائية في شمال المملكة! لم

يستطع التأقلم مع الوضع الجديد، ولأسباب أخرى لا يتسع المقال لذكرها قرر الرجل حزم أمتعته والعودة مجددا لبلد الابتعاث والعمل والعيش هناك! كان قرارا جريئا ومفاجئا، مما أثار حفيظة والديه وإخوانه. يقول أبوهاشم: كنت قائد الحملة المكثفة لتشويه سمعة أخي الأكبر وكيف يجرؤ على ترك (ديار الإسلام) والعيش في (ديار الكفر)! كانت حملة شرسة حاولنا فيها جاهدين ثنيه عن قراره، لكن يبدو أن الرجل اتخذ قرارا لا رجعة فيه. بعد سنوات تقبلت العائلة الوضع الجديد، وبدأت رسائله تأتي بين فينة وأخرى. تارة لأمي وتارة لأبي وثالثة لأعمامي وأخوالي، ومضت السنون حتى وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وانقطعت معها كل رسائله! انقطعت عنا تماما.



استمر البحث لسنوات، ولكن كل الطرق باءت بالفشل. وفي عام 2011 قبلت ابنة أبوهاشم في الابتعاث وسألت والدها أن يكون مرافقا لها، بحكم تقاعده. وافق الرجل لأنه اصطاد عصفورين بحجر واحد، عصفور المحرم لبنته، وعصفور البحث عن أخيه الذي اختفى أثره. هنا بدأت معرفتي به حيث تواصل معي أبوهاشم صدفة عبر رسالة في تويتر، عند وصوله مدينة بوسطن، وسرد قصته المثيرة، والتي لم أذكر تفاصيل كثيرة منها لرفضه، وأعطيته وقتها مواقع وأرقاما أمريكية متخصصة للبحث عن المفقودين. هذا العمل البسيط أثر كثيرا في نفس أبوهاشم، لنبله أولا، ولأنه أتى إلى بيئة رأسمالية، ثانيا، وكان في لحظة غرق يبحث عن أي قشة، ثالثا!



الإثارة في القصة بدأت عندما وطئت قدماه الولايات المتحدة الأمريكية، وحاولت كثيرا إقناعه بكتابة القصة وتحويلها لكتاب أو عمل درامي ورفض تماما لأسباب عائلية. الأكثر إثارة أنها لم تنته بعد، وكل مرة يتصل تخرج خيوط جديدة تضيف وهجا وجمالا للحكاية.



هدفي من سرد لمحة من دراما أبوهاشم جملة واحدة فقط، قالها في سماعة الهاتف أثرت في كثيرا: (يا بني.. عندما عشت في أمريكا سنوات.. عذرت أخي وفهمت لم هاجر وقتها! فاللهم اغفر لي خطأي في حق أخي وما قلت فيه).



كل إنسان يمتلك قراره النهائي في اختيار التراب الذي يعيش فيه، ولا توجد أجمل ولا أمتع من الديار التي ولدت فيها، لكن قبل أن تطلق قرارا على إنسان، ضع نفسك في مكانه، وهذه إحدى القيم الخمس لشركة تويوتا، قينشي قومبتسو، وتعني قبل أن تطلق حكما، اذهب وانظر وضع نفسك في الحدث، حتى تكتمل الصورة. أطال الله عمر أبي هاشم ورحم الله أخاه الأكبر، حيث اكتشفوا خبر وفاته، وفي حسابه البنكي مبلغ كبير، وما زال البحث مستمرا عن زوجته الأمريكية وطفلها، البالغ 47 عاما تقريبا! إنها قصة طويلة مثيرة بكل ما تحمله كلمة إثارة من معنى.



[email protected]