عبدالله المزهر

نجاح الوهم!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

السبت - 08 أبريل 2017

Sat - 08 Apr 2017

الحياة الحقيقية أكثر ألما من السعادة التي ينشرها الكتاب والمغردون، وهي أيضا أكثر جمالا من القبح الذي ينشره بقية الكتاب والمغردين. وجمع هذين المتضادين يعني باختصار أنها تختلف.



تختلف في كل شيء، من الأشياء الكبيرة حتى التفاصيل الدقيقة. حتى التنظير في الحياة الحقيقية يختلف عنه في الحياة الموازية المكتوبة.



وربما كان السبب في جعل إنسان هذا العصر أقرب إلى الضياع هو أن له في الغالب حياتين، ورأيين وقناعتين. واحدة يستخدمها للحياة الحقيقية التي يعيشها وتتعبه بدنيا ويمرض فيها ويموت، وأخرى في الحياة الموازية التي قد تنتهي بتعثر سمكة قرش بكيبل ما يمر في محيط ما. ويمكن أن يكون الناس في هذا الأمر ثلاثة أصناف، الصنف الأول هم الفرقة الناجية من الوهم وهم الذين لا يقيمون وزنا لغير الحياة الحقيقية التي يلمسونها بأيديهم ولا يرون أحدا سوى الناس الحقيقيين الذين يستطيعون أن يشتبكوا معهم بأيديهم إما لعناقهم أو لتصفية خلافاتهم «الفكرية». أما الصنف الآخر فهم الذين يستطيعون الموازنة بين الحياتين، ويعرفون القيمة الحقيقية لكل منهما، وهذا مع ما في الأمر من صعوبة إلا أنهم في الغالب سينجون بعقولهم بصعوبة في نهاية المطاف.



أما الصنف الثالث فيمكن تسميتهم الفرقة الهالكة، وهم الذين يدمنون الوهم، أصدقاؤهم وأعداؤهم مجرد بايتات معلقة قد تحتفي بخطأ برمجي، ومصادقة ومعاداة الوهم ليستا أخطر ما يواجهه هؤلاء. المعضلة الحقيقية حالة التصديق التي يعيشها المدمن، وتأثيرها عليه وليس على الآخرين، معضلة تصالحه مع نفسه وهو يرى نفسه في حياة الوهم مفكرا عظيما وعلمه اليقيني بأنه في الحياة الحقيقية لم يقرأ سوى لوحات المحلات المضيئة في الشوارع. وهذه مشكلة متعدية الضرر، فهي تضرهم وتضر آخرين كان يمكن أن يكونوا من الناجين لولا أن «نجاح الوهم» أغراهم بتجربته.



وعلى أي حال.. الحياة الوهمية ربما يكون لها شكل أجمل، وطعم كطعم الوهم اللذيذ، لكن الفرق بين الحياة الحقيقية وبين الحياة الأخرى يشبه تماما الفرق بين صورة البضاعة وهي على صفحة في الانستقرام، وبين شكلها الحقيقي الذي تراه بعينيك حين تشتريها.



[email protected]