عبدالله الجنيد

إرادات خان شيخون

السبت - 08 أبريل 2017

Sat - 08 Apr 2017

العملية العسكرية الأمريكية يجب أن تقرأ بكل أبعادها السياسية، والسياسية المعنوية بالإضافة للعسكرية. فاستهداف قاعدة الشعيرات الجوية التي نفذت منها جريمة خان شيخون بغاز الزاريين (السارين) تتجاوز العقابية بقراءة لتصريح الرئيس ترمب بعد العملية « الليلة، أدعو جميع الدول المتحضرة للانضمام إلينا في السعي لإنهاء المذابح وإراقة الدماء في سوريا ولإنهاء الإرهاب بجميع أشكاله». فالإدارة الجديدة كانت تبحث عن راية أخلاقية لإطلاق استراتيجيتها الجديدة بعد تخشب كل المسارات السياسية نتيجة الأوبامية المهادنة وابتلاء إدارة ترمب بملفات داخلية ثقيلة. فجاءت جريمة خان شيخون لتمثل تلك الراية القابلة للتوظيف داخليا وخارجيا بكل الأبعاد السياسية والإعلامية. ففي حين أن إعادة الاستقرار والتوازن لمنطقة الشرق الأوسط هي مطلب استراتيجي بالنسبة لمنظومة دول الخليج العربي إلا أن العملية في بعدها الأمريكي تعد قرينة «نفي قطعي» لأي احتمال بمحاباة إدارة ترمب لروسيا.



فجريمة خان شيخون هي الآن مرجل الإرادات السياسية لا الأخلاقية فقط. فبمراجعة ردود الأفعال الروسية على كافة المستويات السياسية والعسكرية نجدها متجاوزة اصطناع العلم المسبق بالأمر كما ادعت الخارجية الأمريكية. وعلى الصعيد الآخر فإن التصعيد الأمريكي باتهام سلاح الجو الروسي بالتورط المباشر في جريمة خان شيخون كما جاء على لسان السيناتور جون ماكين «قبل استهداف مستشفى خان شيخون كانت هناك طائرة استطلاع روسية بدون طيار تحلق فوق الهدف»، له دلالاته السياسية المضافة. فقاعدة الشعيرات في ريف حمص كانت ضمن منظومة الانتشار المستقبلي للقوات الروسية وسط سوريا في الدفاع عن العاصمة دمشق، إلا أن هذه العملية قد أخرجتها نسبيا عن الجهوزية العملياتية أو القيمة التكتيكية.



أما في الشق العسكري للعملية فإنها امتحنت روسيا فنيا من ناحية كفاءة منظوماتها الدفاعية. فهل عجزت منظومات الدفاع الجوي من فئة S-300 المحسنة ومنظومة S-400 الجديدة عن اعتراض صواريخ جوالة من نوع توماهوك طولها 5.5 أمتار وتحلق على مستويات منخفضة بأقل من سرعة الصوت. فكلتا المنظومتين تسوقان على أساس قدرتهما اعتراض هدف بحجم كرة قدم. وهذه لم تكن المرة الأولى التي تفشل فيها المنظومة الجوية الروسية استباحة الأجواء السورية. ففي 20 ديسمبر 2015 استهدفت إسرائيل مقر سمير القنطار في جرمانا، مما نتج عن مقتل القنطار بالإضافة إلى عشرة آخرين من قيادات حزب الله في سوريا. تلك العملية مثلت الاختراق الأول لمنظومة الدفاع الجوية الروسية من فئة S-300 منذ نشرها في سوريا، مما حدا بالقيادة الروسية نشر منظومات جديدة من فئة S-400. إلا أن العملية الأخيرة لسلاح الجو الإسرائيلي في 19 مارس 2017 أثبتت عقم تلك المنظومة في تحريم الأجواء السورية مرة أخرى. الجدير بالذكر أن سلاح الجو الإسرائيلي قد أقدم على إجراء تمرينات اختراق لمنظومة S-300 بحوزة سلاح الجو اليوناني على إحدى الجزر اليونانية قبيل عملية استهداف القنطار في جرمانا السورية، بل والمستغرب في ذلك إعلان إسرائيل عن ذلك قبيل عملية استهداف القنطار بما يتجاوز 72 ساعة عبر وسائل إعلام إسرائيلية موثوقة (الجوروزيلم بوست). فهل سبب نجاح العملية الأمريكية الأخيرة هو سبق استخباري تقني إسرائيلي (حرب الكترونية) حيد تلك المنظومة.

وبدوره يقودنا ذلك للقراءة في الغارة الاستعراضية التي نفذتها إسرائيل في 19 مارس الماضي، فهل كانت في حقيقتها زيادة في طمأنة القيادة العسكرية الأمريكية بنجاعة الاختراق تحضيرا للعمليات الأمريكية المستقبلية في سوريا.



ما قد يعزز تلك الفرضية هو تصريح الميجور جنرال ايغور كونشينكوف Maj. Gen. Igor Konashenkov بأن العمل باتفاقية سلامة الأجواء «سيتم تعليق العمل بها مع نهاية يوم السبت 8 أبريل 2017» مما يبقي نافذة مفتوحة للحوار. في حين أن الناطق باسم مركز العمليات الأمريكية من بغداد العقيد جون دورين Col. John Dorrian نفى تسلم القيادة أي إخطار رسمي روسي يفيد بتعليق العمل باتفاقية سلامة الأجواء. فالروس يجتهدون في احتواء النتائج السياسية قبل العسكرية لاستهداف قاعدة الشعيرات وما دفعها بتعزيز تواجدها في المتوسط بقطع بحرية من أسطولها العامل في البحر الأسود إلا محاولة لقياس حدود الاحتمال لإدارة ترمب السياسية، بالإضافة لتحفيزها للجلوس إلى طاولة حوار. فهل سيكون ديمتري بيسكوف، رجل المهام الصعبة في إدارة الرئيس بوتين نظيرا للجنرال ماكماستر مستشار الرئيس ترمب للأمن القومي على تلك الطاولة. أما القراءة في دلالات المحادثة الهاتفية بين الرئيس ترمب وخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز بعيد العملية فهي تأكيد للتحول في مستوى العلاقات الاستراتيجية وتفرد المملكة العربية السعودية بقيادة الموقف العربي دون أي طرف آخر.



[email protected]