دخيل سليمان المحمدي

موائدنا مع سنابات التصوير بين الرياء والتبذير

الجمعة - 07 أبريل 2017

Fri - 07 Apr 2017

دعا بعض المشايخ وأعيان القبيلة إلى مأدبة عشاء في تلك الاستراحة المستأجرة، وبعدما تم تجهيز صالة الطعام حيا بضيوفه الأعزاء لدخول الصالة وتناول طعامهم، وعند دخول المدعوين فوجئ الجميع بأبناء ذلك الرجل مستلقين على ظهورهم على سفر الطعام بجوار تلك الصحون البارزة يمنة ويسره رافعين أيديهم وجوالاتهم للأعلى، استغرب الجميع من هذا التصرف والمنظر الذي أخجل والدهم كثيرا، ليصيح بهم بلهجته العامية قائلا: (يا عيال عساكم طيبين) ورد عليه كبيرهم بالإشارة يعني (اصمت) حتى لا يظهر صوت أبيه في مقطع السناب الذي سينشره هياطا مصحوبا بالرياء والتفاخر حال قيامه من وضع الاضطجاع بجوار أكبر الصحون حجما وارتفاعا.

هذه المناظر ليست من وحي الخيال بل هي واقع يتكرر وبأشكال مختلفة في زمن السناب والسلفي اللذين أصبحا مرض العصر المزمن، حيث انشغال الكثير من أطفالنا وشبابنا ورجالنا ونسائنا بتصوير وتوثيق توافه الأمور، وفي ما ليس من ورائه فائدة يعد أمرا خطيرا، إذ إن اللا مبالاة أضحت سمة واضحة لدى الكثير وبشكل يزداد كثافة واتساعا.

سأكتب مقالي هذا ليس جلدا للذات، ولكنه استقراء للواقع بكل تفاصيله الظاهرة التي للأسف الشديد نعيشها ونشاهدها، حيث أصبحت البيوت بلا أبواب في زمن برنامج السناب، والذي جعلنا نعاني انعدام الخصوصية في كل مكان حتى في بيوتنا. نحن نعيش زمن (شوفونا ولكن لا تحسدونا) فالبعض يشتري ليس للحاجة، ولكن للصورة والمباهاة في عصر أصبحت به المفاخرة والمسابقة بتوثيق موائد الطعام الأمر الذي قادنا للإسراف والتبذير. هناك الكثير من المقاطع والصور الثابتة والمنشورة على حسابات الكثيرين التي توثق أمورا أخرى من حياتهم الشخصية والعامة، ولكن هنا ركزت على توثيق موائد الطعام التي لا أعلم ماهية الفائدة المرجوة من توثيقها ونشرها؟ هل هناك مسابقة عالمية لأفضل أصناف الموائد؟ أم هناك مقارنات بين ماذا قدمنا نحن وماذا قدمتم أنتم؟ والجواب الحقيقي على ذلك هو فقط المباهاة والتفاخر. أنا هنا لست ضد الكرم والإكرام الذي تأصل في آبائنا وأجدادنا كرما حقيقيا بعيدا عن الفلاشات والمفاخرة.

للأسف الشديد أصبح التصوير من أساسيات تجهيز الطعام عند الكثيرين ويأتي دوره ترتيبيا بعد تحضيره على السفرة وقبل الجلوس لتناوله.

وأيضا هناك من الأمهات من تغلق الباب على الطعام حتى يتم تصويره، بل وتضرب يد طفلها إذا امتدت إلى الأكل قبل تصويره، ومن الآباء من يغضب إذا لم يتم تصوير مائدته التي قدمها لضيوفه، وتجده متحسرا ونادما على عدم توثيق ونشر ذلك، مما يجعله مهتما بوجود المصورين والسنابيين أكثر من اهتمامه وحرصه على ضيوفه.