شاهر النهاري

عوالم تخطط وتعمل وعوالم تتغطرس!

الجمعة - 07 أبريل 2017

Fri - 07 Apr 2017

أثناء زيارتي الأخيرة لأستراليا أعجبني فيهم أمر فكروا فيه، ونحن ما زلنا نحتار، ونغير ونبدل حسبما يرتئيه وزير هنا ووزير هناك.



الشباب الأسترالي عند تخرجهم في الجامعة، أو حتى الثانوية، يعطون فرصة سنة كاملة للممارسة العملية قبل أن يقرروا في أي مجال سيستمرون، وتهبهم الحكومة جميع التسهيلات والإمكانيات والتوجيه لمساعدتهم في اختيار العمل الحرفي المناسب لهم.



وللعجب، فإن أعمال البناء والإنشاءات في الشوارع والموانئ والمدن والطرق وأعمال المصانع والمزارع تهب للشباب أكبر دخل مادي، إذا ما توجهوا للعمل فيها.



ومن البداية، يتم تجهيز الشاب بدورة مكثفة عن جميع متطلبات عمله الحرفي، ويعطى دورة في السلامة، وفي استخدام الملابس الواقية، والمعدات، التي تسهل أعماله، وتشرح له جميع الظروف المتوقعة والمحيطة بهذا العمل.



ويعين لكل مجموعة منهم مرشد خبير، يدير أعمالهم، ويراقب أداءهم، ويصقل موهبتهم، ويحميهم حتى لا يتعرضوا لأي خطر، وليتأكد من إتقانهم لخصوصية العمل، وحرصهم على استخدام الأدوات المناسبة فيه.



وأثناء العمل يعطى للشاب دخل مادي قوي، يسمح له بأن يعيش حياة كريمة، فبمجرد انتهاء عمله وخلع ملابسه، تجده في حال أفضل من كثير من موظفي المكاتب.

وفي أوقات الراحة، تجده يجلس في أفضل المطاعم، وربما يمتلك سيارته الخاصة، وله حياة عائلية متوازنة.



وبعد نهاية السنة التدريبية، يصبح الشاب مكتفيا ماليا، وربما يختار الاستمرار في العمل الحرفي اليدوي، الذي يجيده، ويعرف أن حياته به أفضل بكثير من البقاء جالسا على مكتب.

كثيرون منهم يستمرون لفترات معينة، حتى يصلوا إلى مراكز عظيمة في الشركات، التي يعملون بها، سواء في القطاع العام أو الخاص، وكل ذلك لا يتأتى لهم إلا بمهنتهم، وتميزهم، وإبداعهم، وليس بشهادات تعلق على جدران مكاتبهم.



هذا الشعب القادم عالميا، قد أبدع، ولمس الحقائق، وتميز، ووجد حقيقته، وعرف أن الحياة لا تتم بالزيف، ولا بمعايشة الفساد، ولا بالواسطة، والعنصرية، رغم أنهم من أكثر شعوب الأرض اختلاطا وتنوعا عرقيا.



وقفت بنفسي على مبنى ضخم من عدة طوابق، وكان من يديرون العمل فيه من معلمي الصنعة لا يتجاوزون عدد أصابع اليد، ومعهم العشرات من الشباب الصغار المتحمس، وهم يقومون بالعمل باقتدار، ومعرفة، ووعي، وتكلمت مع بعضهم في ساعات الراحة، لأعرف أنهم يعرفون ماذا يريدون، وحكومتهم، تعرف ماذا ينفعهم؛ وحزنت كثيرا على كثير من شبابنا، الباحث عن وسائل الراحة، وممن سرقت منهم أيادي العمالة الأجنبية القدرة، والإبداع، وصنع المستقبل باليد؛ وحزنت أكثر على وزاراتنا، التي تختص بالتعليم، وبالتدريب، وبالعمل، وهي تجهل الكثير عما يمكن عمله بينها تنسيقيا، حتى تنتج للوطن أجيالا من الشباب المجتهد عمليا، والمرتاح ماديا، والمتغلب على العادات والتقاليد، التي حبستهم بين سياج الثياب اللامعة، والغترة المائلة، والمشية المتكلفة، والمنظر الخارجي البراق.



أسأل نفسي كثيرا، هل نحتاج إلى هذه الوزارات، والتي يعمل فيها عشرات الآلاف من الموظفين المتنعمين، والذين لو شطبنا ثلاثة أرباعهم، لما شعرنا بالفارق؟

أسأل نفسي لماذا لا يكرم الشاب الذي يرضى بالأعمال اليدوية المهنية، ويرفع ماديا فوق من ينتصبون فوق الكراسي، كالمعاقين.



أسأل نفسي، كثيرا، ولا أجد الجواب.



[email protected]