أنظمة وقوانين الشركات ومبادئ الحوكمة

الأربعاء - 05 أبريل 2017

Wed - 05 Apr 2017

تظل أعمال الشركات في حالة تطور مستمر من نواح عدة، منها زيادة الإنتاجية وتعزيز التنافسية للبقاء في الصدارة أو للوصول إليها، وكل هذا يتطلب الجهود والعرق من قمة الهرم المتمثل في مجلس الإدارة بقيادة رئيسه، ودعائم هيكلها المتمثل في الإدارة التنفيذية، وقاعدتها المتمثلة في القوى العاملة بمختلف درجات السلم الوظيفي، وكل هذا البنيان المتناسق لتحقيق طموحات ملاك الشركة من المساهمين وكذلك أصحاب المصلحة من مختلف قطاعات المجتمع.

إن من أهم الركائز المطلوبة لتحقيق كل هذه التطلعات، بالطبع، هو العنصر البشري الذي يدير كل هذه العملية بعقل متفتح ورؤية ثاقبة وأهداف مبرمجة.

ولذا فإن دور مجلس الإدارة يظل محوريا في هذا المنحى وبالتالي يتم الوصول إلى الثريا أو الثرى، والأمثلة كثيرة لمن يتعظ. وفي بداية أعمال الشركات، ولمدة طويلة، كان بعض مجالس الإدارات لا يهتمون كثيرا، بل لا يعرفون من الشركة أكثر من اسمها، ولا ينظرون لدورهم أكثر من أنه دور تشريفي. وفي الجانب الآخر، كان بعض مجالس الإدارات يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة و»يحشرون» أنوفهم في كل التفاصيل وفي كل التخصصات، وفي الواقع فإن النوع الأول ليس بأحسن من النوع الثاني والعكس، بل كانت النتائج وخيمة في الحالتين. ومع تطور المفاهيم الإدارية والنظريات الحديثة، وبسبب المشاكل التي تعرضت لها الشركات نظير نوعية مجالس الإدارة أعلاه، تم استحداث مبادئ إدارية جديدة من أهمها مبادئ حوكمة الشركات التي أثبتت فعاليتها في تحسين وتطوير أعمال الشركات لإتباعها الحاكمية المؤسسية.

إن دور الأنظمة والقوانين في حوكمة الشركات، من دون شك، من الأدوار الرئيسية وكل أنظمة وقوانين الشركات منذ بدايتها كانت تتضمن العديد من الأحكام الخاصة بإدارة الشركات وكيفية السيطرة على الإدارة لتحسين أداء الشركة. ومن هذا مثلا فإن أنظمة وقوانين الشركات تتضمن الأحكام الضرورية لتعيين مجلس الإدارة، تعيين رئيس المجلس، اجتماعات الجمعية العمومية بأشكالها العادية وغير العادية، ودور كل مساهم في هذه الاجتماعات، وكيفية مراقبة وتقييم وتثمين أعمال مجلس الإدارة (وعبره تثمين أعمال الإدارة التنفيذية للشركة) خلال العام، بل وفي أي وقت إذا دعا الأمر، مع وجود أحكام خاصة لإجازة أعمال مجلس الإدارة وتبرئته من المسؤولية أو مساءلته ومحاسبته عن أي أعمال قام بها أو أخفق في تنفيذها. وكل هذا يبين كيفية الإدارة المؤسسية للشركات بواسطة ملاكها من أصحاب الأسهم عبر اجتماعاتهم العادية وغير العادية.

بل نقول إن أنظمة وقوانين الشركات تفسح المجال، إضافة للمساهمين، لجهات أخري للتدخل في كيفية توجيه ومراقبة سير مجلس الإدارة للشركة وعلى رأس هذه الجهات نجد السلطات الرقابية وغيرها من السلطات الممثلة للجهات ذات العلاقة، وكذلك في بعض الحالات يجوز للمدقق الخارجي الدعوة لاجتماع إذا رأي ضرورة ذلك من أجل حفظ حقوق المساهمين أو غيرهم من الجهات ذات العلاقة المباشرة بأعمال الشركة.

إضافة لهذا، فإن أنظمة وقوانين الشركات تضع المبادئ الأساسية حيال ضمان أموال الشركة وحسن استخدامها وكيفية مسك الحسابات وإدارة الموازنة والتدفقات المالية النقدية والإعلان عنها وفق المتطلبات المحاسبية الدولية وغيره. وكذلك هناك مبادئ لكيفية الضبط الإداري لأعمال الشركة، ومن يقوم بهذه الأعمال وكيفية قيامه بها، وكل ما يترتب على ذلك من مساءلات قانونية أو إدارية، وبالطبع كل هذا يتم وفق أحكام الأنظمة والقانون واللوائح الإدارية التي تنتهجها الشركة وفق مرئياتها مع الاستفادة من تجارب الآخرين.

ولكن، بالرغم من كل هذه الضوابط لضبط أهداف وأعمال الشركات فقد حدثت تداعيات وخروقات كبيرة بسبب سوء إدارة الشركات وتجاوز الأنظمة والقوانين ووضعها في «الرف». كما قامت بعض المجموعات من ضعاف النفوس بتحويل مؤسسية الشركات إلى مصالح شخصية بسبب حب الذات والأنانية التي قادت إلى تجاوز غير الممكن. وكانت قمة الانهيار في قضية شركة آرثر أندرسون العالمية للتدقيق. ومن هنا بدأ التفكير الجاد في إيجاد البدائل، ومن هنا برزت وأتت عبقرية حوكمة الشركات المتمثلة في خلق مجالس إدارة بمقاييس خاصة وأهداف واعية معينة ينجم عنها إدارة مختلفة لإدارة الشركات عبر مبادئ الإفصاح والشفافية التامة، مع أدوار معينة لمجالس الإدارة المختارة بعناية، ولرؤساء هذه المجالس وعلاقتهم مع بقية أعضاء المجلس، مع العمل على رفع مقدراتهم لتمكينهم من المساهمة الفاعلة وذلك عبر تكوين اللجان المتخصصة من المجلس لتوزيع الصلاحيات ولتوفير العمل بروح الجماعة، وأيضا فتح كل الأبواب والملفات لجميع المساهمين والمستثمرين وأصحاب العلاقة وكل قطاعات المجتمع.

لقد قامت العديد من الدول، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية بإصدار واعتماد مبادئ حوكمة الشركات، وتم إلزام الشركات وبمختلف أشكالها بتطبيق هذه المبادئ بدقة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. ومن الناحية القانونية، نقول إن مبادئ حوكمة الشركات يجب ألا تتعارض مع أحكام الأنظمة وقوانين الشركات التي تعتبر شعاعا أساسيا لمبادئ حوكمة الشركات. هذا وفي جميع الأحوال يجب أن تعمل، كل الأنظمة والقوانين من جهة ومبادئ الحوكمة من الجهة الأخرى، في تناسق متسق ليكمل كل طرف الآخر. ومن هذا سيستفيد أصحاب الشركة ومن خلفهم أصحاب العلاقة بالشركة وكل المجتمع والوطن.