محطة ما قبل الهاوية

الأربعاء - 05 أبريل 2017

Wed - 05 Apr 2017

رغم أن صندوق النقد الدولي تابع للأمم المتحدة، إلا أنه يتهم بأنه أحد أدوات الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على العالم اقتصاديا، وهو ما يؤكده القرصان الاقتصادي «جون بيركنز»، مؤلف كتاب «الاغتيال الاقتصادي للأمم» الذي كان يعمل على رسم خطط اقتصادية لدول العالم الثالث لبناء بنية تحتية ومشروعات مبالغ في إمكانيتها، ويتم تمويل هذه المشروعات من مؤسسات اقتصادية دولية من بينها البنك الدولي، وبالتالي تعجز الدول عن السداد بديونها، وتستغل الوﻻيات المتحدة الأمريكية عجز الدولة عن دفع الديون وفوائدها لتدفع بتلك الدول إلى مدار الهيمنة الأمريكية والتبعية الصريحة لها سياسيا واقتصاديا.

ولك أن تعلم أن الحظر الذي فرضته مجموعة الأوبك عام 1973 على الولايات المتحدة الأمريكية أدى لوصول أسعار البترول إلى معدلات خيالية تضاعفت خلالها ميزانية فنزويلا أربعة أمثال ما كانت عليه قبل هذا الحظر، الأمر الذي جعل من فنزويلا أرضا خصبة لعمل قراصنة الاقتصاد في محاولة للسيطرة عليها اقتصاديا، فقدمت البنوك الدولية لفنزويلا قروضا ضخمة بهدف تحسين البنية التحتية وبناء أعلى ناطحات سحاب في القارة، ومع انهيار أسعار البترول غرقت فنزويلا في بحر ديونها، وباتت الفرصة للسيطرة عليها سياسيا واقتصاديا سهلة، وعندما جاء الرئيس هوجو تشافيز للسلطة رفض الهيمنة الأمريكية، ولم يكن أمام أمريكا سوى خيار التخلص منه خاصة بعد فشل قراصنة الاقتصاد في التعامل معه، ولكن انصرف تركيزها عنه بعد أحداث 11 سبتمبر نظرا لانشغالها في حشد المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب المفتعل الكاذب في أفغانستان وغزو العراق.

إن الرهان على الخصخصة التي يروج لها النقد الدولي تحت مسمى إصلاحات اقتصادية على أنها علاج لكل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بشكل خاص بلدان العالم الثالث شيء في غير محله، لأنها تحدث خلل في الاقتصاد، نتيجة لابتعاد القطاع الخاص عن المساهمة في المشاريع الحساسة والضرورية، التي لا تحقق عائدا أو أرباحا كبيرة أو تحتوي على درجة عالية من المخاطر، كما أن الخصخصة تولد مشاكل كثيرة تتمثل في زيادة حجم العاطلين سواء كان ذلك عن طريق الاستغناء عن العمالة الزائدة أم تقليل فرص العمل، كما أنها تؤدي إلى تفاوت كبير في توزيع الدخول بين أفراد المجتمع، وهذا يؤدي إلى آثار اجتماعية سيئة.

وأبرز مثال على فشل الخصخصة التي تم تنفيذها بناء على توصية النقد الدولي هي تنزانيا، ففي عام 1985 قام الصندوق بالإيعاز للحكومة بتقليل الحواجز التجارية، وتخفيض البرامج الحكومية، وبيع الصناعات التي تملكها الدولة، وبحلول عام 2000 تم إلغاء مجانية الرعاية الصحية، وبالمثل بعد أن كان التعليم مجانيا أصبح بمقابل مادي، فأسفر ذلك عن تراجع نسبة الالتحاق بالمدارس من 80% إلى 66%، مما تسبب في ارتفاع معدل الأمية إلى ما يقرب من 50%، وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي من 309 دولارات إلى 210 دولارات، وذلك في الفترة من 1985 إلى 2000، ولعل هذا مثال واضح يعكس الفشل الذريع للخصخصة.

إن نجاح روسيا في الخروج من المأزق الاقتصادي الذي كانت تمر به بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم يكن نتيجة تطبيق سياسة النقد الدولي، بل كان عدم تطبيقها على عكس ما قد يتصور البعض، فهناك تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC عام 1999، تحدث على أن روسيا حصلت على قروض وصلت لـ 20 مليار دولار، وبذلك كانت أكبر مقترض من الصندوق، ورغم ذلك لم تنفذ الإصلاحات المفترض القيام بها، ووجد الصندوق نفسه في موقف صعب مع روسيا، لأنها أخذت الكثير من القروض والطريقة الوحيدة لضمان إعادتها لهذه الأموال كانت الاستمرار في منحها الأموال.

ومع هذه المعطيات، نجد إصرارا كبيرا من الحكومات العربية على خوض هذه التجربة المريرة التي يحذر منها الجميع، خاصة أن كل الشواهد تؤكد أن القروض أو الخصخصة التي يروج لها النقد الدولي تحت مسمى إصلاحات، ما هي إلا محطة ما قبل الهاوية، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل، هل سيكون مصير هذه الدول هو نفس مصير البلدان التي دمرتها سياسات النقد الدولي؟