مقلط وصالة في زمن التحولات

الاحد - 02 أبريل 2017

Sun - 02 Apr 2017

قبل أكثر من 20 عاما كنت أعيش في كنف والدي ـ رحمه الله ـ في منزل يحتوي على عدد لا بأس به من الغرف، ومجلس للرجال، وصالة لاجتماع العائلة، واستقبال نساء، ومطبخ كبير، وبعض المنافع، إضافة إلى المقلط وهو غرفة كبيرة ذات مدخلين: أحدهما من جهة قسم الرجال، والآخر من جهة قسم النساء، يستخدم لتناول الوجبات والولائم الرسمية وغير الرسمية التي تعد للضيوف أو الجيران والأصدقاء.

ومع أن المقلط يأخذ مساحة كبيرة نسبيا من المنزل، ولا يستخدم في غير أغراض الضيافة، إلا أن وجوده كان مهما جدا، ولا يمكن الاستغناء عنه، لأنه يعتبر متطلبا أساسا لمجموعة من المهام المرتبطة ببعض العادات والتقاليد من استقبال الضيوف وإقامة الولائم، في ظل عدم وجود بدائل من حيث المكان أو الخدمات، فلم يكن يوجد في زمن والدي ما يعرف بالاستراحات، ولم تكن المطابخ والمطاعم متوفرة، كما أن نفوس الناس سليمة لا يرفض أحدهم الدعوة أبدا، ولا يكاد يمضي يوم دون أن يجتمع الجيران عند أحدهم، مما يجعل غرفة المقلط من أهم منافع المنزل لارتباطها بمهام تتكرر بشكل شبه يومي.

أمّا الآن في زمن الانشغال الدائم، وقطيعة الأرحام، وانعدام القوامة، وضعف التواصل الفعلي بين الناس، فيمكن أن تفي مطاعم النفر والنفرين، ومقاهي الكوفي شوب، بالغرض إلى حد كبير، وإذا لزم الأمر يمكن استئجار أقرب استراحة، وجميع المطابخ والمطاعم لديها خدمة التوصيل السريع، بمعنى آخر فإن تخصيص غرفة في المنزل لتناول طعام الضيوف، في ظل التغيرات الاجتماعية والمجتمعية، لم يعد مجديا، ولعل الصالة إذا دعت الحاجة، مرشحة وبشكل كبير للقيام بمهمة المقلط، حيث إن الظروف تغيرت ووظيفته الأساسية لم تعد موجودة.

ولكن على الرغم من ذلك فإن المقلط بصفته التقليدية، لم يزل حاضرا في ذهن البعض عند تخطيط المنازل أو البحث عن تأجيرها حتى ولو كان ذلك على حساب أجزاء مهمة من البيت!

ولعل ذلك يعد مؤشرا لبروز بعض مظاهر الجمود الفكري في عدم القدرة على التعامل مع المتغيرات الجديدة، بعكس جيل والدي الذين كان لديهم من المرونة ما هو أكبر من جيلنا بكثير، حيث لم يجدوا غضاضة في تغيير طريقة حياتهم في العمل والسكن واللباس والكلام والعادات والتقاليد والعلاقات مع الآخرين، أما نحن فلم نزل نراوح في مكاننا، وعندما نتحدث عن أي تجديد أو تغيير نأتي إلى مسائل أشد خطورة في الخلط بين الدين والعادات، والثوابت والمتغيرات..، نتناقض كثيرا مع ذواتنا عندما نقول إننا نطبق السنة، وفي الوقت نفسه نستهجن أن يعمل الإنسان بيده، أو أن يساعد الزوج زوجته في الأعمال المنزلية، مع أن الأنبياء عليهم السلام كانوا حرفيين ومهنيين ويساعدون نساءهم! كما لا نكلف أنفسنا بالتمعن بتصرفات البشر قبل أن نصدر أحكامنا عليها من خلال مظهرهم الخارجي! نحتقر العمل المهني، مع أن حياتنا ترتبط بشكل مباشر بالحرف والصناعات!

المشكلة أن الكثير مقتنع بخطأ ما يقوم به من سلوكيات ولكن الاستمرار بالعيب أفضل لدينا من الشروع في البحث عن بدائل!

وقفة: من أجل التغيير نحو الأفضل، لا بد من الاعتراف أولا بوجود المشكلة.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال