محمد أحمد بابا

رموز النظام السابق

الاحد - 02 أبريل 2017

Sun - 02 Apr 2017

سيتغلغل في المجتمعات العربية مفهوم (رموز النظام السابق) كمصطلح ثقافي يأخذه العقل الباطن للمجتمع على محمل الممارسة المضادة اللاإرادية في مفاصل شتى من الحياة ولو لم تتصل بالناحية السياسية.



وكل ذلك عطفا على ما يتحفنا به إعلامنا العربي يوميا من أخبار لإجراءات واحترازات وتجاذبات في مسألة الوقاية من (رموز النظام السابق) في أكثر من قطر عربي، وما رافق ذلك من كوارث ومشكلات وتعقيدات لم تتخط حبرا كتبت به تلك التنظيمات أو صيغت به تلك القوانين.



لن أستغرب -ومثلي كثير- حين نسمع عن امرأة تزوجت من رجل مطلق أو أرمل وقامت باحترازات ضد رموز نظام سابق هم أبناء زوجها أو بناته أو مناصرو أخوالهم، وربما يكون الرجل مع رموز نظام سابق مع امرأة تزوجها بعد آخر أشد سحقا وملاحقة ومحاولة شيطنة.



ولن يكون بعيدا أن يقوم مدير جديد لمؤسسة حكومية بإقصاء نصف موظفي الدائرة أو تطفيشهم ضمن سياسته لاجتثاث رموز النظام السابق من باحة سلطانه، فهو ولو بدا مكملا في ظاهر الأمر لمسيرة إدارية ربما يجد أسوة له في تعاقب إدارات أمريكية بين حزبين تجعل من الديموقراطية تهميش منافسين.



وحتما سيقوم كل نظام مستحدث في أمور تمس احتياجات الناس بإدراج بنود وفقرات في لائحته التنفيذية تقضي على كل ما يشبه فلسفة رموز النظام السابق ليبقى هو المنقذ والمخلص، فالسابق في المنهج الفردي إجباري النسيان ولو بالتناسي وممحاة من يكتب التاريخ.



وحين تجرب تحديث برامج الكترونية من مصدر عربي الصنع ستلاحظ ولو تخيلا علميا أن ذلك التحديث يقوم بعمل (فورمات) لكل رموز النظام السابق رغم أنه من صنعه.



وفي الحياة العامة لا تتيح لك الأيام مقابلة صديق قديم كان لك، حتى إذا جمعتك به المصادفة بعد زمن طويل تجده غير الذي تعرف خلقا وخلقا في فلسفة واضحة أنه سحق كل رموز النظام السابق وأنت منهم.

ومدربو كرة القدم في عالمنا العربي رغم أنهم وافدو عمل لدينا، إلا أنهم علموا بأن طرد رموز النظام السابق هو وسيلة إرضاء الجماهير وعرفوا بأن مصيرهم الطرد بعد حين لما يصبحوا هم رموز نظام سابق بالنسبة لمجلس إدارة جديد، فاستخدموا فزاعة السابق (تكتيك) لعب جديد.



أعرف مدير مؤسسة تعليمية لما عينوه مديرا بعد سابق قد مات قام بتبديل غرف الدراسة بين مرحلة لأخرى لتكون ثانية في مقر أولى وهكذا، ولما سئل أجاب بأن هناك معلمين ولاؤهم للنظام السابق وهذه الطريقة تسهم في تغيير نفسياتهم، إلا من أصر منهم أن يبقى من رموز النظام السابق فيسبق عليه القول ليصبح من الخارجين.



بعض العقول ظنت بأن المباني والنتاج الفكري والقيمة المعنوية في زمن مضى هي كذلك من رموز النظام السابق، فعاثت في الأرض فسادا حتى لا تذكرها المواقف بالذي مضى وانقضى، ولا يعنيها إرث حضاري وثقافي ومعرفي وصناعي ولا غيره.



هناك أطفال صبغوا بهكذا صبغة فعندما تدعوهم لإبداء رأيهم في لوحة رسمها أطفال آخرون يقومون بشخمطتها والبدء من جديد لإثبات أنهم الأحسن والأجدر من رسومات لرموز من النظام طفولي السابق.

العالم يبدأ من حيث انتهى الآخرون، ونحن ننتهي حين يبدأ الآخرون، والعين العربية مدعوة لأن تنظر للمستقبل في جرأة محاسبة دون إهدار وقت ثمين في جعل ما سبق رمزا باستعداء عام فيه دمار شامل.



[email protected]