عبدالعزيز الخضر

تعليم رقمي.. لماذا اختفى بريق الخبر؟!

الاحد - 02 أبريل 2017

Sun - 02 Apr 2017

ما هو مثير للتأمل حول خبر وزارة التعليم قبل أيام عن توقفها تماما عن طباعة الكتب التعليمية بحلول 2020، أنه استقبل ببرود في أحسن حالاته، وانتقد في جوانب كثيرة من مهتمين في قضايا التعليم، ولو أن مثل هذا الخبر أعلن عنه قبل عقد من السنين لاعتبر ثورة في التطوير، ولو أعلن عنه قبل عقدين لاعتبر من الخيال العلمي.



برودة استقبال الخبر ليست امتدادا للشعور السلبي تجاه أخبار ومشاريع كثير من الجهات والمؤسسات الحكومية ومشاعر الإحباط السائدة، وتعززها تقنية التواصل ذاتها التي تستقبل مثل هذا الخبر. هذا البرود مؤشر نضج تقني جيد في المجتمع، فهو منغمس بكل تفاصيله في داخلها، ويشعر بالرقمية تحيط به من كل جانب، وغزت كل الأعمار حيث كسرت حاجز الأجيال، فهو يستعملها ويتنفسها يوميا في أتفه الأمور إلى أعقدها من صفقات مالية كبرى، ولهذا يشعر بأهمية المدرسة لأبنائه كملاذ آمن تربطه بالكتاب والقلم بعيدا عن هذه البيئة الالكترونية في المنزل التي تحاصر الصغار والكبار في معظم ساعات اليوم.



لقد فقدت مسألة التقنية والحاسب الآلي بريقها القديم، كعلامة على التطوير والتقدم، وأصبح استعمالها اليوم عالميا تحصيل حاصل لكل الفئات ومنجزا حضاريا عالميا لا دور لك فيه إلا استهلاكه واستعماله كالتلفزيون والغسالة، والذين ينتقدون اليوم هذه الفكرة الشكلية التي هي تحصيل حاصل، فإنهم لا ينتقدون شيئا خياليا فالكتاب الالكتروني بين أيديهم منذ سنوات طويلة والمناهج ذاتها موجودة في الأجهزة الذكية اليوم، وأكثر من 90% من قراءتهم ومتابعتهم للعام الكترونية، والتواصل بين المدرسة والبيت أصبح متاحا الكترونيا بخيارات عدة ويستعمل اليوم، وما يشغل أذهان المهتمين في التعليم ويقلقون على مستقبله هو المضمون والمحتوى الذي يتراجع كثيرا، وعجز الوزارة المستمر عن إنجاز أي خطوة حقيقية في التطوير الإداري، وتطوير المناهج ومعالجة مشكلات لا حصر لها، وكثير منها لا علاقة له بحكاية الميزانيات ولا عوائق الصراعات الأيديولوجية العقيمة، ومع ذلك هناك عجز في الرؤية والقرار لأشياء كثيرة.



حول هذا الخبر لا يهم ما هو رأيي ورأيك فيه، لأنه لن يغير من الواقع شيئا، وهو لن يطبق شاملا إلا بعد تجربة في عينة من المدارس، لكن الإشكال الذي يتبادر للذهن وأنت تتابع تفاصيل مثل الخبر وردود الفعل حوله، هل هذه الخطوة جاءت تحت ضغط البحث عن أي إنجاز بأي طريقة، دون الاهتمام بالأوليات، حيث تهتم بعض الجهات الحكومية خلال هذه الفترة تحت ضغط متطلبات الرؤية بأن تحقق شيئا سريعا له بريق، أم إنها جاءت تحت ضغط الفكر المحاسبي في تكاليف الكتب وعقود طباعتها، على الرغم من أن كثيرا من الأسر تدرس أبناءها في تعليم أهلي تدفع عليه الآلاف، حيث لا يتاح لهم التعليم

الحكومي بسهولة في أحياء المدن الكبيرة، ولهذا سخر أحدهم من الخبر تعليم بلا كتب بأنهم سيعطونك الكتب بسي دي وأنت تطبعها.



والتعليم العام ووزارة التعليم تجربتها خلال العقدين الماضيين في الحاسب الآلي بحد ذاتها حكاية ليست جيدة، ويجب أن نعيد التذكير بها، لقد كانت وزارة التعليم في نهاية التسعينات بحاجة لمشروع الحاسب الآلي ووقتها كانت الميزانية لا تكفي، فطلبت رسوما من أولياء الأمور لدعم هذا المشروع، لكن التقنية كانت تتطور سريعا، مع ترهل إداري، ولا يعرف وقتها كيف تم تنفيذ هذا المشروع وكيف انتهى، كعادتنا مع كثير من المشاريع التي تعلن ثم يبتلعها الزمن دون تقييم.



مادة الحاسب الآلي نفسها، والتي بدأت كمقرر دراسي قبل أكثر من عقدين في التعليم العام، وكانت سابقا لا توجد إلا بالجامعة وبعض الكليات التي لها علاقة تقنية به، وعندما أقرت هذه المادة استقبلت الصحافة هذا الخبر بابتهاج كبير كقفزة تطويرية، عندما كان مجرد لفظ اسم الكمبيوتر له بريق شعبي، لكن كان عالما الهاردوير والسوفتوير يتطوران بأسرع من الوزارة نفسها، ومن يتصفح كثيرا من الكتب في ذلك الوقت يضحك على التخلف فيها، ومن لديه معرفة جيدة ومتابعة كتقييم أولي سيدرك كم يوجد من هدر لساعات طويلة وكتب ومحتوى لتعليم مادة الحاسب الآلي في كل الصفوف، يشبه الهدر الذي ينتج من تعليم اللغة الإنجليزية والنتيجة مخرجات رديئة بعد 12 عاما يقضيها الطالب في التعليم العام، فتجده لا يمتلك أي وعي بالبرمجة والذكاء الآلي، ويحتاج معها لدورات خاصة تنتشله من الغباء في سر التقنية وصناعتها وليس استهلاكها الشعبي، وما يحصل عليه اليوم من خبرة ذاتية نتيجة تعايشه مع التقنية هي التي تخفي هذا الهدر المالي الضخم الذي لا يشعر به أحد!



[email protected]