محمد العوفي

التصريحات الفضفاضة في القرن الـ 21!

السبت - 01 أبريل 2017

Sat - 01 Apr 2017

عندما تترك مشكلة ما دون حل أو معالجة لفترة طويلة من الزمن، فهذا يعني انتقالها من مرحلة المشكلة، وتصبح أزمة مكتملة الأركان، عندها الحلول ستكون معقدة جدا، وتكلفتها باهظة ماليا واقتصاديا واجتماعيا، وقد تتطلب معالجتها فترة أطول لأنها أصبحت ذات أثر متعد بما خلقت من تشوهات وأضرار في القطاعات الأخرى، في هذه الحالة فإن أول ما يجب التفكير فيه هو كيف نستطيع منع وصول هذه الأضرار والتشوهات إلى القطاعات الأخرى، ولا يعني ذلك إخلاء مسؤولية الجهة التنفيذية تجاهها، أو تجاوزها وتحميلها للمواطن باعتباره الحلقة الأضعف في حلقات تدافع المسؤوليات، فالمواطن البسيط، رغم محدودية إمكانياته، يدرك حجم التحديات والصعوبات ويعي تكلفة الحلول الباهظة لمثل هذه المشاكل والأزمات.



لا أحد ينكر أننا نعيش تحديات ومشاكل وصلت إلى مرحلة الأزمة في قطاعات الإسكان والتعليم والعمل، ورغم ذلك لا يزال المسؤولون في تلك الجهات يصدرون بين الفينة والأخرى مزيدا من التصريحات الفضفاضة التي تضيق وتتسع حسب المناسبة، وحجم الحضور، ونفوذ وقوة الحضور، يتبعها مساحة أخرى للتأويل تضيق وتتسع وفقا لمستوى الفهم والإدراك، وتترك منطقة للمناورة، وخط للرجعة متى ما وجد هذا المسؤول أو ذاك أن ما صرح به غير قابل للتطبيق، وأن هناك تحديات تخلقها طبيعة العلاقة مع الجهات الأخرى، والمجال في ذلك فيه سعة ما لم يصدر الوزير قرارا رسميا يتضمن تطبيق ما تحدث به.



من السهل جدا أن يصرح وزير التعليم بأن سنعمل على إصلاح التعليم دون أن يحدد مسار هذا الإصلاح، وأين؟ ومتى؟ أو يضع خطة استراتيجية لتطبيق الإصلاح مرتبطة بمدة زمنية، وأن يأتي وزير الإسكان بتصريحات فضفاضة بأن الدولة ستتحمل فوائد ومصاريف قروض التمويل العقاري لذوي الدخل المحدود والمتوسط، ويجد المواطنون أن البنوك ليست لديها أي معلومة عن تحمل الدولة هذه الفوائد، أو يكتشف أن القرض الذي يمنحه له البنك لا يكفي لبناء سور منزل، أو أن يقول وزير العمل إن وزارته ستقضي عن البطالة وسترفع نسبة السعوديين في القطاع الخاص دون خطة واضحة وصريحة تلزمه بما قال.

عادة ما يكون الاستهلاك الإعلامي وتقديم المسكنات والمهدئات الموقتة هدف الأحاديث الفضفاضة، لكنها عمليا ترتبط بعدم وضوح الرؤية وعدم القدرة على تحديد مكامن الخلل وأولوية الإصلاح، وغياب الخطط الاستراتيجية المبنية على دراسات حقيقية لاستشراف المستقبل، وفي هذا السياق، فإن هذه التصريحات لا تعد كونها أحاديث مجالس عامة لا تصريحات مسؤولين تنفيذيين.



فليس من المعقول أن نكون في القرن الـ21، وقد بدأنا بوضعنا لبنات رؤية السعودية 2030، ولا تزال التصريحات الفضفاضة تجد طريقا للإعلام، وتمر دون أن نستخدم العقل الناقد لا العقل الناقل الذي لا يقبل الأمور والحوادث كما تروى لها، ولا يسرع إلى تصديقها، بل يخضعها للتدقيق بل التسليم والقبول بها، لذا من حقنا أن نتساءل، وكيف؟ ومتى؟، وأين؟ لأن ذلك لا يتعلق بنا وحدنا فحسب بل يتعلق بمصير الأجيال القادمة.



على أي حال، التصريحات الفضفاضة تخلق حالة من فقدان الثقة والمصداقية لدى المواطنين، وتعطي فرصة أكبر للتأويل والتلاعب فيها خصوصا عندما يتعلق الأمر بمصالح المواطنين ومصيرهم، علاوة على أنها تحرج السلطات التشريعية والسلطات التنفيذية معا، وفي المقابل، التصريحات التي تنقل الواقع للعلن كما هو وفقا للشروط والاشتراطات الموضوعة للتطبيق وتفصح عن التحديات المتوقع مواجهتها، وتتجنب العموميات التي يمكن تضييقها وتوسيعها بحسب المناسبة والزمان والمكان، تبني جسرا من الثقة، وتقطع الطريق على كل محاولات التأويل والتلاعب في التصريحات.



بعد هذا كله، هل ستختفي موضة التصريحات الفضفاضة، وتحضر الشفافية في المرحلة المقبلة، أم سنكون على موعد آخر من التصريحات الفضفاضة بصورة ونمط مختلفين، وهذا ما لا أتمناه رأفة ورحمة بعقولنا.



[email protected]