أسامة يماني

أزمة فكر أم أزمة وجود

السبت - 01 أبريل 2017

Sat - 01 Apr 2017

أصدرت صحيفة نيويورك تايمز ملحقا أفردته للأوضاع المأساوية التي تمر بها المنطقة العربية في العراق وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من مناطق النزاع والصراع.



وفي نظري إن الأزمة التي يعيشها العالم العربي ليست وليدة الأحداث التي شهدتها المنطقة، وإن كان بعضها - مثل الاجتياح الأمريكي للعراق - كان له أثر مدمر وخطير على العراق، وتسبب في مآس إنسانية وخسائر اقتصادية وتدمير للبنية التحتية، وغير ذلك من خسائر مباشرة وغير مباشرة يصعب حصرها، لأنها شملت تدمير كل البنى التحتية والفوقية في العراق، وطالت الآثار والتاريخ والحضارة والإنسان والبيئة والبنية الاجتماعية.



الأحداث التي تشهدها المنطقة كانت نتيجة طبيعية لمسبب رئيسي استغلته السياسات الخارجية والقوى الأجنبية والأعداء وأصحاب المصالح للنيل من هذا الكيان الكبير المعروف بالوطن العربي.



فالقوى الاستعمارية والتدمير والخراب يستطيع أن يقاومها ويصلح آثارها الإنسان المنتج الذي لا يمر بأزمة فكر يعاني من آثارها وتحكمه نتائجها المدمرة لذاته وكيانه. فقد استطاعت اليابان أن تتعافى من كل الآثار المدمرة والدمار الذي أحدثه العدو، وأن تتجاوز كل المشاكل والصعوبات على الرغم من ضعف الموارد والإمكانيات المادية والجغرافية، وجعل الشعب الياباني من هذه الجزر النائية رقما صعبا في الاقتصاد والعلم والتقدم والتكنولوجيا وكل مناحي الحياة.



فأزمة الموارد والبعد الجغرافي والفقر المالي يمكن للإنسان الذي لا يعاني أزمة فكر أن يتجاوزها بعمله وإنتاجه وفكره البناء. وهناك عدد من الأمثال والبراهين التي تظهر بجلاء هذه الحقيقة. فألمانيا خرجت من حرب مدمرة واحتلال لأن المواطن الألماني لا يعيش أزمة فكر بل أزمات أخرى عديدة اقتصادية وسياسية بل واجتماعية وتقسيم للبلاد وظلم وقهر واستغلال. كل هذه الأزمات مهما بدت وظهرت كبيرة وعصية يمكن تجاوزها، طالما كان الإنسان غير مصاب بأزمة فكرية.



وبناء على ما تقدم نجد أن عالمنا العربي يعيش أزمة فكر تهدد وجوده لأنه لا يستطيع أن يتقدم للأمام وجعلته عاجزا أن يعمر ويبني ما تهدم وكل ما تقدم خطوة عاد مهرولا للخلف خطوات يبكي على ماض وأطلال، ويتحسر ويشتكي من ظلم الناس وتألب الأعداء عليه. أزمة الفكر تجعل من المخالف ولو كان من بني جلدته عدوا، وتساهم في تدمير الذات والإبداع والفنون وعدم إعمال العقل والفكر وعدم الاستفادة من تجارب الآخرين، واعتقاد وقناعة كل من يعاني من هذه الأزمة بأنه يملك الحقيقة وأنه على صواب، وتسهل له تحقير الحياة وازدواجية المعايير، فيفقد كل عوامل القوة والبناء.



والأحداث تثبت أن من دمر الأوطان أكثر من الاستعمار هم أبناء الوطن المصابون بأزمة فكر فحرب التحرير الجزائرية لم تخلق دولة قوية على الرغم من كل الموارد المالية، بل تسببت في هروب الكثير من أبناء البلد إلى الدولة التي كانت تستعمره هربا من جور الإنسان على الإنسان. أزمة الفكر متأصلة في عالمنا العربي، لأن الرغبة في الاعتراف بهذه الأزمة غير موجودة، مما يزيد من حدة الأزمة ويمنع مراجعة مفردات هذا الفكر ومسبباته. فتتكرر الأخطاء بل وتعالج بطرق تزيد من تعقيدات الخطأ، ويترك الفعل ومسبباته وينظر إلى ردة الفعل بعيدا عن محيطها ومسبباتها ودوافعها. باختصار أزمة الفكر تنتهي بلا شك إلى أزمة وجود وأزمة كيان تجعل الإنسان غير قادر على البقاء واجتياز الأزمات المادية والسياسية والاجتماعية وغير ذلك.



إن أزمة الفكر تنتهي كما أسلفنا إلى أزمة وجود وكيان. وهذه الأزمة لن تحل إلا بالاعتراف بهذه الأزمة الحقيقية التي تهدد الكيان والوجود وتمنع البناء والإبداع وإيجاد الحلول لمشاكل عالمنا. والاقتناع بأن الهروب إلى الماضي ظاهرة من ظواهر هذه الأزمة الفكرية التي تتحول فورا إذا لم نحسن علاجها إلى أزمة كيان ووجود.



كفى بكاء على الأطلال وكفى هرولة للوراء وتحميل الآخرين أخطاء هذا الفكر ورفض الآخر وترك رسالة البناء وإعمار الأرض ومحاكمة النوايا ومنع حرية الفكر والتفكير والنظر والإبداع ومحاربة المفكرين والمبدعين ونعتهم بالمفسدين وتصنيف البشر وثقافة محاكمة النوايا وإعطاء النفس الحق في مصادرة الفكر الآخر تحت أي مسمى، وترك التلقين ومراجعة المفردات التي أفرزتها هذه الأزمة، ولنتعلم من تجارب الآخرين في محاربتهم لأزماتهم الفكرية، فقد عالجت أوروبا أزمتها الفكرية في القرون الوسطى قرون الظلام بالتخلص من قبضة الكنيسة وباحترام العلم والفكر والمفكرين، وعدم تكفيرهم ووقف اتهامهم بأنهم أصحاب بدع وتغريبون أو مفسدون.



من الواجب إعادة النظر في منظومة الفكر في عالمنا قبل أن ينتهي الحال إلى أزمة وجود لمن لا فكر له.



osamayamani@