حنان المرحبي

تلقائية ردود الفعل

الجمعة - 31 مارس 2017

Fri - 31 Mar 2017

في بعض الأحيان نصل إلى مرحلة من الملاحظة نصبح فيها قادرين على التنبؤ بردود فعل الأفراد أو الجماهير تجاه حالة أو قضية أو معلومة قبل طرحها.

وهذا يمكن قراءته من خلال معاشرة الأفراد، وأيضا من خلال عمل مسح سريع على الحوارات أو التعليقات الجماهيرية على الهاشتاقات أو المنشورات تجاه بعض القضايا. قد تجد تفاوتا بسيطا في اللغة المستخدمة ما بين مهذبة ووقحة، أو عقلانية وعاطفية، أو واعية وجاهلة، ولكن هناك طابع عام يغلب عليها جميعا وهو التلقائية في ردة الفعل. ما الذي أقصده بالتلقائية؟

يقول البروفيسور Daniel Kahneman الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد: يسير العقل البشري في معالجة المعلومات واتخاذ القرارات وفقا لنظامين، النظام الأول أوتوماتيكي، تحركه الدوافع الداخلية، وعاطفي. وتبعا لهذا النظام، يختصر العقل الجهد الذهني في اتخاذ ردود فعل سريعة وفقا لما تخبر به المشاعر لحظة وقوع الحالة أو وصول المعلومة (أحب هذا إذن هو جيد، أخاف من ذلك إذن هو غير جيد)، أو وفقا للمواقف الذهنية المتحيزة (القيم والمصالح الشخصية). أما النظام الثاني فهو بطيء، منطقي، واع ومقصود. وهنا يعطي العقل الحالة أو المعلومة الوقت للدراسة والتفكير، وردات الفعل تكون بطيئة ولكن مركزة، وذات أثر بعيد المدى، ومستوعبة، وغير متحيزة ذهنيا أو عاطفيا.

نحن على الأغلب نميل إلى استخدام النظام الأول، لأنه الأسرع والمختصر ولأنه يبدو أكثر قربا من احتياجاتنا العاجلة، أي أكثر قدرة على الاستجابة لنداءات مشاعرنا (إنسانيتنا وكرامتنا وما نحب وما إلى ذلك) وأهدافنا. من هنا تأتي التلقائية في ردة الفعل. وتظهر، مثلا، في استجابتي المباشرة لذلك الخبر الذي بدا مهينا لكرامتي بالتعليق بكلام منفعل عاطفيا، أو مكرر ومستهلك، ولا شيء جديدا، أو أنسى حقيقة أنه قد لا يستحق الأمر أي اهتمام مني أو ردة فعل، ليخمد الخبر ولا يلقى مصدره أي تقدير لسخافة مواده الإعلامية المطروحة. أيضا سوف تظهر التلقائية في ردي مثلا حينما أكون أمام قرار مصيري، وأعلم أنه على المدى القصير سوف تكون فيه خسائر، ولكن على المدى الطويل سيحقق تقدما كبيرا. وبتلقائية قد أبالغ في تقدير المخاطر وأتحيز للأدلة التي تؤكدها، وأتجاهل الأدلة التي تؤكد المكاسب لأن الخسائر أقرب مني.

لكلا النظامين إيجابيات وسلبيات، وتكمن الصعوبة في قدرة العقل في التحول من النظام الأول إلى الثاني، أو العكس، وذلك وفقا لمتطلبات الحالة أو المعلومة وما نريد.

التوازن بين النظامين مهم، فنحن دائما بحاجة للدوافع (المشاعر) لنتخذ ردات فعل تجاه قضايانا الشخصية والاجتماعية، فيكون لدينا حضور وإسهام، ولكن في الوقت نفسه نحن بحاجة لنتخذ ردات فعل واعية ومتأنية ومجدية.

والقدرات الذهنية عالية الكفاءة هي من الموارد النادرة، فقد يستغرق الشخص في التفكير والتأني وقتا طويلا ولا يخرج بشيء مجد أو يظل متحيزا مع أن المسألة بسيطة. المشكلة هنا تكمن في قدراتنا الذهنية واهتماماتنا وما يلفتنا من المعلومات والمشكلات فنعتقد أنها مهمة، وهي في الواقع قد لا تكون كذلك، أو العكس.

ختاما، لنتذكر أننا حينما تغلب التلقائية على ردود أفعالنا، قد نصبح عرضة للاستغلال لتحقيق مصالح آخرين يدلسون المعلومات، أو عرضة لاستنزاف أنفسنا في علاقات تحيزت مشاعرنا لها على الرغم من مرارتها وقسوتها.

[email protected]