عبدالغني القش

تاريخ المدينة المنورة.. مناشدة للتوثيق

الجمعة - 31 مارس 2017

Fri - 31 Mar 2017

أكتب هذا المقال بعد تأجيل لمقالين كان يفترض أن يسبقاه للنشر، لكن الجدل الدائر في المجالس والمنتديات حول كتاب صدر مؤخرا عن المدينة المنورة وفضائلها وتاريخ الحجرة النبوية، جعل نشر هذا المقال متحتما لمناسبة التوقيت.



الآهات تعتصرني والآلام تمتلكني، فجنبات نفسي لا تكاد تجد طعم الراحة؛ فبين الفينة والأخرى يصدر كتاب عن المدينة المنورة، ويحمل في طياته أمورا أقل ما يمكن وصفها بأنها آراء شخصية وكلام لا يحمل دلالة قطعية، وتتوالى تلك الكتب ويقع الناس في حيرة من أمرهم.



ولعل من آخر ما صدر مؤخرا كتاب بعنوان “المدينة المنورة – فضائلها – المسجد النبوي – الحجرة النبوية” كتبه الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، فكان رقما في تلك السلسلة من الكتب، إذ حوى بين طياته كثيرا من الأمور المختلف فيها، وإبداء الرأي الشخصي بدون دليل علمي في بعض المواضع، فكان حديث المجالس وتناولته المنتديات والمواقع والحسابات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.



وكم كان بودي عدم صدور هذا الكتاب؛ فهو لا يحمل جديدا، بل كان مثيرا للجدل في بعض جزئياته وربما اصطدم ببعض الثوابت التي يحملها الناس وأهل المدينة تحديدا.



ومما جاء في ثناياه نفي فضل الدفن في البقيع وإنكار معرفة قبور الصحابة المدفونين فيه، كما تكرر ذلك في شهداء أحد وإنكار ثبوت الشهداء هنالك، وغير ذلك مما ورد وتحديدا عند الحديث عن بعض المواقع والمساجد.



إن من المفترض أن تكون مثل هذه الكتب ذات تأصيل علمي دقيق كالأبحاث المحكمة؛ فهي تتحدث عن درة المدائن وأحبها إلى الله، والخوض في تاريخها والأماكن التي فيها يفترض أن يخلو تماما من الآراء الشخصية؛ فنحن في عصر العلم وانتشاره، والتوثيق العلمي مطلب ملح، وبات الوصول إليه سهل المنال، ولا حاجة مطلقا لآراء شخصية تتعلق بأماكن تاريخية، وإنكار أمر تعارف عليه الناس وأخذوه بالتواتر.



وفيما يتعلق بما أخذه الناس بالتواتر فإن التشكيك في هذا المنحى يشكل خطورة بالغة؛ ونحن حينئذ سنصطدم بمن يطالبنا بإثبات أمور كثيرة منها المسجد النبوي وقبره الشريف وغيرهما من المواقع، فنصل إلى درجة لا نستطيع حينها أن ننطق ببنت شفة.



ومع الأسف توجد جهات عدة تعنى جميعها بتاريخ مدينة المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، مثل: الجامعة الإسلامية والتي تضم كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ المدينة المنورة وكذلك كرسي دراسات المسجد النبوي الشريف، ومركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، ومركز خدمة السيرة والسيرة النبوية (الذي أضاعته البيروقراطية والإجراءات الروتينية فكان مصيره الغياب)، جائزة الأمير نايف للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، غير أنها جميعا لم تقم بتشكيل لجنة علمية لإصدار موسوعة علمية دقيقة يقوم عليها باحثون متخصصون عن هذه المدينة التي لها المكانة العلية والمنزلة السنية في نفس كل مسلم.



والجميع يتمنى صدور مثل هذه الموسوعة ولو على مراحل بحيث تكون على أجزاء عدة إلى أن يتم اكتمالها، بحيث تؤصل لكل الأماكن والمواقع والمآثر النبوية، وحبذا لو كان ذلك بالصورة أو الرسم التخيلي، وحينئذ لا يكون هناك مجال للأخذ والرد أو التشكيك إذ التوثيق واضح بشكل قطعي.



وفي تصوري أن تبني جائزة سنوية للفريق الذي يوثق لمكان أو موقع أو لأثر نبوي سوف يكون له أطيب الأثر على هذه الموسوعة، والتي يرجى أن ترى النور قريبا، فالقلوب إليها تهفو والأبصار لها ترمق، فهل تتبنى إحدى هذه الجهات هذا المقترح توثيقا لتاريخ ومعالم المدينة المنورة؟!



[email protected]