عبدالله الجنيد

العرب والديمقراطية

الخميس - 30 مارس 2017

Thu - 30 Mar 2017

الديمقراطية ليست كأحجية البيضة أم الدجاجة، وإشكالياتنا ليست في وجود برلمانات من عدمه، بقدر ما هو غياب تنمية الوعي والتأسيس لثقافة المؤسسات في بناء الدولة الحديثة. فحال تحققت التراكمات النوعية اجتماعيا واقتصاديا فسوف يستعصي على دولنا تأجيل استحقاقات التحول الطبيعي، وأولها التشريع عبر مجالس وطنية تدير كل أمور الشأن العام الوطني. أما أن يقال إن الديمقراطية هي الحل الآن فذلك أقرب لمقولة برنارد شو الشهيرة «إن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل، لأن أغلبية من الحمير ستحدد مصيرك»، وجميع الشواهد التاريخية في المجتمعات غير المكتملة النمو تؤكد ذلك.



جل مشاكلنا اليوم هي نتيجة تأجيل الإصلاحات الواجبة أولا في بنى فكر الدولة وثقافتها الإدارية. فالدولة من وجهة نظرهم دواوين خدمات، والمواطن من جملة الرعية. فدون مراجعة لتلك الهيكلة فإننا لن ننجح مستقبلا، بل وسنكون على موعد مع أزمات مستقبلية من نوع غير مسبوق.



فمثلا لا حصرا، هل وضعت الرؤى المستقبلية شكل سوق العمل 2050؟ والسبب في تساؤلي هنا بسيط جدا، فالعالم مقبل على ثورة صناعية جديدة سيكون الذكاء الاصطناعي عمودها الفقري، وستشح فيه الوظائف التقليدية. فكيف سنعالج أوضاع سوق العمل حينها؟ هل سنلجأ إلى تحديد النسل مثلا، أو نوجد نظام ضمان اجتماعي من المهد إلى اللحد ما دام رزق المولود في رجله؟ وكيف سنصمد كدول في محيط دول مليارية التعداد (الهند) وأخرى مئوية (باكستان وإيران).



فنحن نعاني من متلازمة إنتاج البيروقراطية، والأزمة الإسكانية أكبر دليل على محدودية رؤية بيروقراطيتنا في معالجة ذلك منذ ثمانينات القرن الماضي. فالعالم الآن يتوجه لإنتاج حلول بتوظيف الطابعات الثلاثية الأبعاد، وقد أثبت هذا التطبيق قدرته على إنتاج حلول حقيقية. فإن كان الأمر كذلك، فلماذا لا نتوجه لتبني هذه التكنولوجيا التي ستوفر مئات الآلاف من الوظائف لشبابنا بل ولصناعات رديفة؟



نعم، نحن نستطيع انتظار الإصلاح السياسي، ولكن من غير العدل، إن لم يكن إجحافا في حق المستقبل، عدم إصلاح المواطنة الآن. فتجربة الأعوام الماضية وضعتنا أمام تحديات حقيقية، ونقدر عاليا تنفيذ الدول الخليجية لاستراتيجية معالجة الاختلال الديمجرافي (غير المعلن عنها حتى الآن)، إلا أن ذلك دليل حيوي آخر على غياب المشاركة الفاعلة للمواطن في تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية، وأخشى أن أقول إنها أزمة ثقافة وأورط مع خلق الله، لأني لست وزيرا.



بجد، مشكلتنا ليست في الديمقراطية أو برلمانات، بل في إدارة الشأن العام بشكل واع وقادر على تمثيل مصلحة الوطن والمواطن، وإن كان ولا بد من اقتراح قد يساعد المخططين الاستراتيجيين في تحريرهم من القوالب البيروقراطية ولو ليوم واحد، فأقترح خلوة ومشاهدة فيلم جميل بعنوان «مونيبول Moneyball» من بطولة الممثل القدير براد بت، وأنا جاد في هذا الاقتراح، والفيلم يحكي قصة حقيقية من الألفية الجديدة تتحدث عن تحقيق النجاح لا الانتصارات. فالنجاح يستلزم الاقتناع بضرورة التحول في جميع عناصر المعادلة عموديا قبل أفقيا، وللأسف فإن ذلك هو العنصر المفقود من معادلاتنا المستقبلية، إلا في دولة واحدة في عالمنا العربي متمثلة بدولة الإمارات العربية المتحدة.



نجاح الإمارات سببه إدراكها أن الإدارة قبل الإرادة وليس العكس، ثانيا النفس الطويل، أما ثالثا فهو نظرتها لمواطنيها عمليا أنهم ثروتها الوطنية الأولى، لذلك نجدها تستثمر في تنمية الإنسان. عندما نقر بأن الرؤى مستحيلة دون إصلاح إداري فسوف نضع أقدامنا على الطريق الصحيح، وسننجح في وقف الهدر للموارد، وأهمهما الإنسان وعامل الزمن. لم يعد هناك مجال للتفكير من داخل صناديق إرث بيروقراطيتنا، بل تهشيمها واستحداث فضاء إداري يملك أدوات التعاطي من طموح شبابنا.





[email protected]