العدالة الناجزة

الأربعاء - 29 مارس 2017

Wed - 29 Mar 2017

إذا نشأ أي نزاع أو خلاف بين أطراف العقد أو التجارة أو الشركة، يجوز لأي منهم الذهاب للمحاكم والهيئات القضائية المختصة بحثا عن العدالة وللفصل في النزاع، وهنا أمام المحاكم «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» وهذه قاعدة شرعية قانونية ثابتة. والأنظمة تنص على هذه المبادئ العدلية الذهبية، وفي نفس الوقت تبين الإجراءات الخاصة بسير الدعوى أمام المحكمة المختصة. ومثل هذه الإجراءات، بالرغم من أن البعض يراها شكلية وبعيدة عن المضمون، إلا أنها هامة جدا وتشكل مسارا رئيسيا في طريق تحقيق العدالة التي ينشدها الجميع.

ولكن هناك من يلجأ لهذه الإجراءات، بأساليب بعيدة عن الهدف، من أجل تحقيق مكاسب له على حساب الطرف الآخر. وهنا، يجب على الأفاضل القضاة السير بالعدالة في طريقها العادل والسريع بكل الحسم والعدل والعمل على عدم السماح لأي طرف أو فئة ما باستغلال الإجراءات فقط من أجل «مط» الزمن وكسب الوقت له وضياعه للطرف الآخر. ومثل هذا الأسلوب، من دون شك، يعطل العدالة التي يجب أن نراها ماثلة في كل الإجراءات وفي كل الأوقات لأن العدالة يجب أن نشعر بها في وقتها، وإلا ضيعنا العدالة وضيعنا أنفسنا معها، وينطبق علينا المثل الشائع «الصيف ضيعت اللبن» لأننا ضيعنا الفرصة بأيدينا لا بيد غيرنا.

ولتحقيق العدالة الناجزة هناك حاجة وضرورة لتدريب القضاة وجميع من يعمل معهم في المحاكم، حتى يتم معرفة العمل والواجبات تماما، وهذه المعرفة المهنية الفنية تمكن الشخص من تأدية مهمته بكفاءة وفي أسرع وقت ممكن. وهذا هو المطلوب خاصة في المحاكم التي يلجأ لها أصحاب الحقوق الضائعة أو المنهوبة بواسطة أشخاص لا يعرفون الرحمة والذين يجب ردعهم لتسود العدالة «ولكم في القصاص حياة» كما ينبهنا جل جلاله.

إضافة للتدريب ثم التدريب، هناك حاجة أيضا لزيادة أعداد المحاكم وزيادة أعداد القضاة ومساعدي القضاة بمختلف درجاتهم حتى يتم الفصل السريع في كل المنازعات وتتحقق العدالة الناجزة التي تطمئن القلوب وتفرح النفوس، وليس هناك طعم أحلى من طعم العدل والعدالة التي تنادي بها كل الأعراف والديانات السماوية. ومن الملاحظ أن دور المحاكم يتم تشييدها في مجمعات كبيرة في أماكن معينة ليأتي لها الناس، ولكن من الأفضل أن يتم توزيع المحاكم ودور العدالة على كل المناطق الجغرافية الآهلة بالسكان، وهذا يجعل العدالة تذهب لأماكن الناس بدلا من مجيئهم لها. وفي هذا الانتقال إثبات ودليل قوي على أن العدالة موجودة في كل مكان وغير محصورة في قصور مشيدة يأتي لها المظلوم وصاحب الحق الباحث عن حقه، وقد لا يأتي.

في العديد من البلدان الآن، ظهر الاتجاه إلى ضرورة العمل على نقل المحاكم ودور العدالة إلى الأماكن التي يتكدس فيها الناس وتزدحم فيها الأعمال والمشاحنات. وتبين أن هذا الوضع يحقق راحة نفسية للجميع لأنهم يشاهدون، في كل صباح ومساء، المحاكم موجودة أمامهم وقريبة منهم ولا يمنعها عنهم المكان ولا الزمان. وكل هذا الاقتراب يقوده للإحساس بالأمان التام الذي يأتي من قرب العدالة منهم. وقطعا مثل هذا الشعور، يكسر الحاجز النفسي بين الشخص و»حق» العدالة ويزيله. وبهذا تتحقق معاني العدالة ويشعر بها الجميع.

تحقيق العدالة الناجزة والسريعة يحتاج إلى مراجعة شاملة للنظر في معالجة العديد من النقاط، ومن أهمها الأنظمة التي تقنن الإجراءات التي تتم أمام المحاكم. ومن دون شك، فان تبسيط الإجراءات قدر المستطاع وتقليلها سيدفع للفصل السريع في القضايا أمام المحاكم. في بعض الدول، هناك الآن محاكم «الجلسة الواحدة» و»محاكم اليوم الواحد» التي يتم خلالها إصدار الحكم النهائي وفق الادعاءات والبينات التي قدمها الأطراف أمام المحكمة. وفي مثل هذه المحاكم يشعر المظلوم بالعدالة لأن حقه رجع له في زمن قياسي وهذا يقلل، ولحد كبير، من الشعور بالغبن وضياع الحقوق. وكذلك يشعر المعتدي بأن يد العدالة سريعة وطويلة وتصله في لمح البصر وقبل أن يهدر حقوق الآخرين. وليس في الإمكان أبدع من هذا.

نفس الأمر والعناية أيضا يجب أن ينطبقا على محاكم التنفيذ حتى يتم التنفيذ السريع للأحكام القضائية وفي الوقت الصحيح. ولا بد من رفد محاكم التنفيذ بالإمكانيات البشرية واللوجستية والإدارية الكافية وذلك لأن محاكم التنفيذ هي عبارة عن «سيف العدالة» القاطع الذي يقطع الحدود ويعيدها لأصحابها. وإذا لم تقم محاكم التنفيذ بهذا الدور الحاسم، فإن اللجوء للقضاء يفقد بريقه وقوته لأنه يكون بدون أسنان قاطعة.

تحقيق العدالة الناجزة السريعة، أيضا، يحتاج إلى توعية وثقافة للمتقاضين ولأصحاب الحقوق ولكل المجتمع. والأمر يتطلب منهم جميعا الإلمام بحقوقهم وواجباتهم، وهذا يمكنهم من المتابعة الصحيحة والواعية للحقوق والواجبات أمام ردهات المحاكم وغيرها من الجهات العدلية. والتوعية والثقافة تحتاج إلى قيام الأشخاص بتنوير أنفسهم حتى يتوفر لهم العلم التام بالأنظمة والإجراءات وتوابعهما. كذلك هناك دور هام وواجب علي المجتمع ومنظماته المدنية وإعلامه المرئي والمسموع والمقروء، كل هذه الجهات يجب أن تتضافر لخلق الوعي والثقافة القانونية لدى الجميع. وتوفر مثل هذا الوعي من دون شك سيدعم سير العدالة الناجزة وسيعمل على تطبيقها وفق الأسس السليمة والسريعة الحسم، وبالعدالة يتطور المجتمع وتسمو الحياة وينعم بها الجميع.