الروايات.. تاريخ العاديين

الثلاثاء - 28 مارس 2017

Tue - 28 Mar 2017

يقع الخلاف المستمر بين القراء في أنواع الكتب التي يقرؤونها، فنجد قراء الأدب وخصوصا الرواية في تصادم مع قراء المجالات الأخرى، وأظن أن ذلك التصادم يحدث في مجتمعنا أكثر من تلك المجتمعات التي تعودت على الفنون منذ نعومة أظفارها، فنحن شعوب نتغذى على تلك الأمور سريعة المنفعة أو ذات المنفعة المباشرة، فقراء المجالات التاريخية أو العلمية أو غيرها يغذون رغبتهم في الاستزادة من المعلومات التي يريدون بشكل مباشر وصريح.

أما قراء الأدب وخصوصا الرواية فنجدهم يملكون قدرا كبيرا من المعلومات دون أن يقحموا أنفسهم في مجالات أخرى، ولا أقول إن الاكتفاء بقراءة الروايات لوحده أمر صحيح، ولكنني أحاول الإيضاح أن قراء هذا اللون ليسوا أشخاصا فارغين يريدون تحقيق المتعة وقطع الوقت كما هو مألوف لدينا، على الرغم من أنني أحترم أي فائدة صغيرة نجنيها من الرواية.

لكن أريد الحديث عن ذلك الجانب الذي لا يلتفت لأهميته إنهم «شخصيات» الرواية فعند الحديث عن بدايات اكتشاف ثروة النفط في الخليج هل يستطيع كتاب تاريخي أو غيره أن يتحدث عن الحياة الاجتماعية في تلك الحقبة عن دهشة الأجداد، عن رفضهم عن مواجهتهم لتلك القوى وصدمتهم الحضارية في مدن الحديد والإسمنت، كل ذلك يحكيه الكاتب عبدالرحمن منيف في خماسيته الشهيرة «مدن الملح» بطريقة جذابة، إنه يعكس ذلك الإحساس بقوة مع توظيف اللغة البسيطة العامية في بعض الحوارات، فيجعلك تعيش مع شخصيات الرواية كل تلك المشاعر المتضاربة التي يواجهونها.

أيضا ما الذي نعرفه عن أولئك الموجودين في الضفة الأخرى من العالم في أمريكا الجنوبية مثلا إذا لم تروه لنا إيزابيل اللندي وجابرييل جارسيا ماركيز وماريو بارجاس يوسا وغيرهم، تلك المدن التي طحنتها الديكتاتورية والاستعمار والثورات والفقر والحزن.

كذلك ما حكاه فيكتور هوجو في روايته البؤساء، فهو تحدث عن فترة مهمة مرت بها فرنسا بين سقوط نابليون والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب، فالحياة الاجتماعية القاسية والظلم الاجتماعي يجعلاننا نفهم تلك الفترة بشكل أعمق من قراءة سيرة شخصية نابليون أو لويس! كذلك لا تخلو الروايات من تلك الفلسفة العميقة في صراع الخير والشر كما نجدها متواجدة دائما في كتابات الروسي دوستويفسكي، فنحن في الروايات لا نقرأ شعوبا وقبائل معينة فقط بل نقرأ الإنسان، مشاعره وأفكاره.

قرأت مرة أن قراء الروايات يتمتعون بحساسية عالية في فهم الآخرين أكثر من أولئك الذين لا يقرؤونها، الروايات سفر حقيقي ومقابلة شخوص محزونين مشدوهين من قسوة الحرب، مخذولين من الأحبة، خائنين جبناء وسارقين مهاجرين ومبتذلين، الرواية هي صورة للإنسان العادي في عصر وزمن معين وفي كل العصور. لذلك ختاما انتقوا بدقة واقرؤوا المزيد من الروايات وتجاهلوا الصارخين بأنها غير مفيدة.