أحمد الهلالي

أطلال.. ووردة بلاستيكية!

الثلاثاء - 28 مارس 2017

Tue - 28 Mar 2017

مصطلح الأطلال دائب الدوران في دراسات الشعر الجاهلي، ولم أظنه سيناسب القرن الواحد والعشرين، إلا أن حالة اليأس التي تمر بها الأمة العربية استحضرت ذلك المصطلح عنوة، لنشاهده حقيقة تغنينا عن تمثل امرئ القيس وزهير وعنترة وفحول الشعر الجاهلي.



عبر تويتر فاجأني وسم (دروب أندلسية) الذي ينظم رحلات سياحية إلى المناطق الأندلسية في إسبانيا، ويعرض صورا لقصور حكام الأندلس إبان الحكم العربي فيها لثمانية قرون انتهت بخروج العرب منها بالسيف كما دخلوها.



ويظهر من بعض مقاطع الفيديو القليلة أن المنظمين يستحضرون التاريخ العربي من خلال الآثار الباقية، التي تدل على حضارة عربية حقيقية كانت هناك، وتدل في ذات الوقت على تحضر الإنسان الأوروبي، وذكائه الاستثماري، حين لم يمح تلك الآثار، فأصبحت وجهات سياحية عالمية.



استوقفني في هذا الوسم ارتباطه العفوي في مخيلتي بفكرة (الطلل)، فإن كان السياح الغربيون وغيرهم يستمتعون بمشاهدة الآثار التاريخية وتشتعل دهشتهم، فإني لا أظن السائح العربي كذلك، بل سيكون وقوفه بكاء، أو لنقل (تحسرا) على تفريط العرب في منجزهم، فحين يشاهد ما كان عليه العرب الأوائل، ويرى واقع أمته اليوم ستشتعل جمرة الأسى في جوفه، ويدرك أن العرب بلغوا قمة ثم انحدروا عنها، وما يزال الانحدار ساريا إلى ما شاء الله.



لم تستوقفني الرحلات السياحية إلى كل أصقاع الدنيا، ولا رحلات السعوديين لقمم الهملايا أو القطب الشمالي أو قمة كلمنجارو، لكن (دروب أندلسية) فتحت أسئلة عديدة في رأسي، أقلها (لماذا) استحضار الأسى في زمن الأسى؟ لماذا لم تكن الرحلة إلى جامعات عالمية مميزة، أو مراكز بحثية أو مصانع، أو وكالات فضاء أو منظمات سلام عالمية، أو إلى أعماق الأطلسي، أو حتى عبور مثلث برمودا؟



أصبحنا مثقلين جدا بالتاريخ، يكبلنا ويستهلك من طاقاتنا العقلية والفكرية ما الله به عليم، وكأن هذا التاريخ سينصب قاماتنا من جديد. نجهل أن الأمم الأخرى امتصت رحيق زهرته، ولم يبق من ذلك التاريخ إلا ما يشبه الوردة (البلاستيكية) الجميلة، لكنها عديمة الرائحة، فإن لم نوجه أدمغة أبنائنا نحو الورود الحقيقية في بساتين تلك الأمم ونأخذ منها شتلات حقيقية، فلن تفيدنا وردتنا البلاستيكية إلا كما يفيد الدمع العاشقين، وهم لا يملكون من معشوقاتهم إلا صورا قديمة، تجرح الذاكرة أكثر مما تريح القلوب.



[email protected]