هبة قاضي

خمسون ظلا من الأمومة

دبس الرمان
دبس الرمان

الثلاثاء - 28 مارس 2017

Tue - 28 Mar 2017

كعادتي فوت على نفسي فرصة المواكبة بكتابة مقال مختص عن المرأة في يوم المرأة، ومن ثم فوت على نفسي كتابة مقال عن الأم في يوم الأم. ومن ضمن مجموعة من الأسباب التي أولها أنني عاهدت نفسي على الامتناع عن الكتابة في شيء لمجرد أنه متاح، مشاع، مشهور، سائد أو ذو زخم طالما أنه ليست لدي وجهة نظر جديدة أو حقيقية لعرضها.



وثانيا «احم يا للإحراج» لأنني لم أتنبه لتواريخ هذه الأيام، وعليه كتبت بكل عفوية عن مواضيع أخرى. وحجتي الوحيدة للدفاع عن نفسي هو أنني أكتب لعزيزتي المرأة طوال العام، ويشفع لي مقالي (مجرد أم) الذي ما زال الكثير من الأمهات في أكثر من محفل ومكان يشكرنني عليه ويربتن على كتفي في امتنان قائلات (شكرا لدعمك القوي لكينونتنا الأمومية).



وعليه ما يدفعني الآن لكتابة هذا المقال هو صديقتي التي طلبت منها صديقتها أن أكتب عن مشكلة أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة أمهات أطفال التوحد. وهنا أقتبس جزءا مما أرسلته لي وتصف فيه المشكلة التي تواجهها الأمهات مع مراكز التأهيل والمختصين (ما يحصل عادة حين يطرح الأخصائي أو الخبير فكرة أو مفهوما جديدا للطفل، فإنه يلتفت للأم ويطلب منها التدرب لتعمل على تطبيقه على الطفل. ليفاجأ بي المختص وأنا أرفض بكل ثقة موضحة أن هذا دوره كمختص وليس دوري أنا كأم. فدوري كأم لهذا الطفل يجعلني المسؤولة عنه في كل أموره طوال الوقت تقريبا، لذا ليس من المنطقي أو الصحي أن أصبح أيضا معلمته، وملقنته وأخصائية تطويره، خانقة إياه ونفسي بمسؤوليات إضافية ومسببة له الضجر والضغط، والذي سيؤدي لكثرة التشكي وربما العصيان والتمرد والذي سيؤثر بالتالي على مناحي مسؤولياتي الأخرى تجاهه كأم وراعية. ولكن ما يحصل عادة للأسف هو أن الأمهات في مثل هذه المواقف المشابهة يخضعن لكل ما يقوله لهم هؤلاء الأخصائيون الذين يفتقر معظمهم للخبرة الحقيقية، وتفتقر المراكز التي يعملون فيها للإجادة والمنهجية في التعامل مع هذه الحالات. فتندفع الوالدة المنهكة والمثقلة بالمسؤوليات لتتحمل مهام المراكز والأخصائيين، وحين لا يكون هناك تحسن ملحوظ يتم جلدها بكل قسوة بسياط اللوم والتقصير وربما أنها السبب في سوء الحالة أو عدم تطورها).



نواجه كأمهات كل يوم معاناة الحكم على أمومتنا واستحقاقنا لها ومدى مثاليتنا في ممارستها، فكما تقول الكاتبة إليف شفق (للأمومة اسم مستعار أيضا: الشعور بالذنب). وعليه تهاجمنا مشاعر الذنب والملامة والتقصير عند أدنى سبب أو موقف. والتي يزيدها ضراوة في حال كنا طموحات ومبدعات ذلك الصراع الدائم ما بين فضاءات إبداعاتنا وحياتنا كنساء طموحات، ذكيات وشغوفات وما بين مسؤولياتنا وما نشأنا على أنه أولويتنا الأولى كأمهات وزوجات وراعيات للبيت والأسرة والمجتمع. فلكم أن تتخيلوا ما تواجهه أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة من قسوة وأحكام وتوقعات وخاصة تلك التي تأتي إما من أشخاص لم يمروا بنفس الظروف ولا يفهمون حجم المسؤولية وصعوبتها، أو من أشخاص من ذوي الاختصاص ممن يتعاملون مع هذه الحالات بمقياس النظرية وليس مقياس الخبرة، وبمعيار الدراسة وليس بمعيار التفرد لكل حالة، مع غياب كامل للتعاطف الحقيقي.



لذا عزيزتي الأم، وعزيزتي المرأة، دعي عنك كل تلك الأحكام المطلقة والتعليقات المغرضة والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على جهل قائليها وضحالة فكرهم وعاطفتهم. لا تسمحي لأحد أن يشعرك بالذنب أو يتهمك بالتقصير أولا لأنك بالتأكيد فعلت وتفعلين أقصى ما لديك بالقدر الذي تعرفينه، وبقدر ما تملكينه من مصادر وإمكانيات. وثانيا لأنه ليس من حق أحد لا يشاركك المسؤولية أو يمر بنفس ظروفك أن يحكم عليك من قريب أو من بعيد. وثالثا وأخيرا ارفعي رأسك عاليا عزيزتي الأم البطلة، نعم أنت بطلة ويجب أن تدركي، وتقتنعي بأنك بطلة في عيون طفلك، بطلة في عيون مجتمعك، ولكن الأهم هو أن تكوني بطلة في عيون نفسك، فحينها فقط ستمتلكين الوعي والقوة لمواجهة كل الصعاب، وحينها فقط ستكونين قادرة على أن تصنعي من أطفالك أبطالا متفردين كأمهم.



[email protected]