محمد أحمد بابا

سطر لله وسطر لرسوله

الاحد - 26 مارس 2017

Sun - 26 Mar 2017

ماذا لو اقتنع كل العاملين في الأجهزة الحكومية وشبه الحكومية ورؤساؤها بنظرية (الاختصار الموضوعي) على الأقل في الكلام المكتوب والمراسلات فقط.

ماذا لو دخلوا في صلب الموضوع مباشرة في مخاطباتهم دون ديباجة تبجيل سمجة، ومقدمة تبرير مملة، وخاتمة استعطاف سخيفة.



فحسب تجربتي في عمر قضيته كغيري مراجعا تهدر أوقات وكلمات وسطور ورق في جمل من متلازمة الوظيفة العمومية مثل: إشارة لخطابنا رقم، وبناء على استفسارنا السابق، وإلحاقا لمعاملتنا بشأن، ومثل: للتوجيه بما ترونه، لعمل اللازم حسب النظام، لإفهام المذكور أن عليه مراجعة كذا، ونحو ذلك مما يوحي بسلاحف تمشي ولما تصل.



ماذا لو استخدموا ما وفرته لهم الحكومة من وسائل تقنية وشبكات توصل الكلام في لمح البصر - ولهم في وزارة العدل قدوة حسنة - واقتنعوا بأن حقوق الطبع محفوظة ولن تضيع مسؤولياتهم سدى.



ماذا لو اقتنع الجالسون على كراسي دوارة ونطاطة ومساجية بأن نسخة واحدة من أي خطاب تكفي، وأن التعديل لمجرد ممارسة المريسة أمر مفضوح يوغر صدر الأوراق المهدرة قبل صدر الطابع والناسخ.



النتيجة: لو مارس أي شخص مثلي (فاضي) عملية حسابية فوضوية/ كم كلمة وكم سطر وكم ورقة وكم دقيقة سنكسب، كم قيمة هذا المكسب بالريال بناتج قسمة تكلفته أو أجرة القائم به مقسوما على زمن يجرى فيه هذا الإسراف، كم إنجاز وسرعة وناتج سنربحه بعد المعاملات المنجزة مقارنة بالوضع الحالي، كم هو ناتج ضرب هذه المعطيات في عدد الموظفين والموظفات بالنظر لعدد الأجهزة والمؤسسات، كم هو ناتج ضرب ذلك في شهور السنة لنحصل على قيمة تقريبية لهذا الخفض.



طبعا مع الأخذ في الاعتبار قيمة الحبر والطابعة والكهرباء والورق وغير ذلك.



أجزم أنا بحكم (فضاوتي) أنها على الأقل مئات ملايين الريالات، التي - مع حسن استغلالها - تعف فقراء وتزوج عزابا وتبني مدارس ومستشفيات وحدائق وملاعب وتصلح أراضي للسكن وتهب علاوات ومكافآت وغير ذلك كثير.



وأعظم ما في الأمر أنها تجلي عن ثقافتنا البيروقراطية العجيبة غباش وفزاعة الاحتفاظ بالورق لا لشيء إلا لأنه ورق.



إذا استمر حالنا على ما هو عليه في توزيع أسطر الخطاب: سطر لله، وسطر لرسوله، وثلاثة أسطر للمسؤول، وسطران لاستسماح المسؤول، ونصف سطر للموضوع، وسطران آخران ونصف سطر معهما لاستعطاف المسؤول، فتلك عشرة كاملة. سنعيش بها ولن يقتنع المسؤول بأسطرنا طالبا مسطرة توضيح.

وليس ببعيد عن أعين مسؤولين حكوميين عملوا في شركات قبل قفزة توليهم سدة الوزارة اختصارات ردود عبر البريد الالكتروني ربما تصل لحرف واحد فقط للرد على إتمام عمليات تمثل قيمتها ميزانية جهاز حكومي بأكمله.



لكن العجيب سرعة الإصابة بعدوى الشكليات المطولة في التعبيرات الرسمية للخطابات بمجرد استلام المنصب، لتصبح كلمة (سعادة) أو (معالي) هي هم الكتبة قبل فحوى الموضوع، وتكون العبارات الموغلة في النرجسية وعلو (الفرمان) هي لعبة مديري المكاتب والمساعدين الإداريين، فيرضى عنهم صاحب التوقيع دون مراجعة تحريرية.



[email protected]