فارس هاني التركي

نكتب أم لا نكتب؟

أرقام فارس
أرقام فارس

السبت - 25 مارس 2017

Sat - 25 Mar 2017

ثقافة القراءة وإن كانت بالشكل غير المأمول ولكنها بدأت تتحسن مؤخرا وتلقى رواجا في المملكة، فمعرض الكتاب في الرياض ما زال يحصل على الزخم نفسه سنويا، كيف لا وهو أحد أكبر معارض الكتاب في المنطقة العربية كلها، وفي السنتين الأخيرتين حرصت منطقة مكة المكرمة على مواكبة هذا الحراك الثقافي وأقامت معرض جدة للكتاب. كذلك في جازان أصبح معرض الكتاب هناك من الفعاليات المهمة التي ينتظرها سنويا أهل المنطقة.



المفرح في الموضوع أن تنظيم هذه المعارض لم يعد لمجرد التنظيم والمسؤولية المجتمعية، ولكن تنظيم معارض الكتاب هذه أصبح ذا مردود مادي جيد، فدور النشر تتنافس بشدة لحضور هذه المعارض، فعلى سبيل المثال قدم لمعرض الرياض الدولي للكتاب أكثر من 1700 دار نشر لم يتم قبول سوى 550 دار نشر منها فقط، وكذلك التنافس على الحضور فقد تجاوز عدد الحضور أكثر من 400 ألف زائر كانت ذروة تواجدهم وإقبالهم في الفترة المسائية، مما حدا بالعديد من الزوار للحضور صباحا لتجنب الازدحام الشديد. الكتب المعروضة تجاوز عدد عناوينها 260 ألف عنوان وإجمالي عددها 1,2 مليون كتاب. عدد الكتب المبيعة غير معلن ولكن إجمالي المبيعات بلغ 70 مليون ريال وهو ما يعكس بشكل مباشر التغير الكبير الذي تشهده المملكة في الإقبال على القراءة.



تظل مشكلتنا الرئيسة في الكتابة وليس في القراءة، فإجمالي ما ينتجه العالم العربي مجتمعا (وليس السعودية فقط) يبلغ سنويا 20 ألف كتاب، وهو أقل من دولة مثل رومانيا. هنالك أسباب عديدة لعزوف أفراد المجتمع عن القراءة، مثل عدم حثهم عليها منذ الصغر، وغزو القنوات التلفزيونية وإدمان مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن يظل غياب الكتاب الجيد ذي المحتوى الثري والمشوق يلعب دورا رئيسا في هذا الموضوع.



لا شك في أن النخبة من المثقفين والمفكرين ساهموا بشكل مباشر في هذه المعضلة، حيث إنهم حصروا الثقافة والتأليف في رموزهم، وفي الوقت نفسه هم بثقافتهم العالية وطرحهم النخبوي أوجدوا فجوة كبيرة بينهم وبين الإنسان العادي، حيث إن لغة طرحهم معقدة وغير مفهومة، فوصلنا الآن لمرحلة إذا أراد الطفل أو الشاب أن يقرأ وذهب للبحث عن كتاب يجد أن المؤلفات المطروحة لا تناسبه إطلاقا. بالتأكيد لا نريد أن يترك المجال مفتوحا فيكتب من يشاء بدون أية ضوابط، ففي هذا إساءة للكتاب وخداع للقارئ غير المتمرس فقد يدفع ثمنا لا بأس به لشراء كتاب ذي عنوان براق وكاتب شهير في غير مجال التأليف، ويكتشف لاحقا أن المحتوى خاو وهزيل.



نريد حلا وسطا يتيح للمواهب الشابة في الكتابة أن تظهر، وأن تجد الدعم وألا تتردد في الكتابة بسبب الخوف من سيف نقد الفئة النخبوية المثقفة، فالمسألة ليست أن نكتب أو لا نكتب؟ فالأمر محسوم في الدول المتقدمة، فبدون التشجيع على الكتابة لن يكون هناك محتوى ثقافي غزير، ولن يكون هناك إرث ثقافي يخلد، ولن يكون هناك محتوى جديد للقارئ كي يستمتع به.



[email protected]