عبدالله الجنيد

في أحضان الشيطان

السبت - 25 مارس 2017

Sat - 25 Mar 2017

استهداف أوروبا من قبل إرهاب مستنسخ أوروبيا هو نتاج طبيعي لبنية تحتية باتت من مظاهر الإسلام الأوروبي القادم من الشرق. فالإسلام ليس بطارئ على أوروبا، فقد احتضنت أوروبا مسلميها لعقود طويلة، وحارب مواطنوها في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي. فالإشكالية ليست في الإسلام المنتمي بل في هوية الإسلام الحركي الطارئ والرافض للانتماء لقيم أوروبا وثقافتها منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي بكل تلاوينه. فبعض هذه التيارات المتطير سلوكا من أمثال جماعة أنجم تشودري بلغ به حد المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في ثاني أعرق الديمقراطيات التي عرفتها البشرية، بل وصاحبة أول قانون مدني (المجناكارتا).



لكن يبقى سؤال كيف سمحت بريطانيا قبل غيرها من دول أوروبا أن تكون مرتعا لهذه الثقافة المتعارضة وكل إرثها السياسي وقيمها الاجتماعية المتسامحة، وكلنا يتذكر منح أيمن الظواهري حق اللجوء السياسي مطلع تسعينات القرن الماضي. كذلك كان الحال من منح السعودي خالد بن عبدالرحمن الفواز، والذي أسس في لندن هيئة النصيحة والإصلاح، والتي تعد اللبنة الأولى لمنظمة القاعدة في لندن ومن ثم نشره بيان «إعلان رابطة الجهاد لقتال اليهود والنصارى».



أو ماذا عن مفتي تنظيم القاعدة، أبو قتادة الفلسطيني، والذي سافر إلى بريطانيا في 1993 ليمنح حق اللجوء فيها. فثقافة هذه التيارات تتعارض وقيم الديمقراطية التي باتت الآن متجاوزة لقوانينها مذ قبل تفجيرات ميترو لندن عام 2005. فعندما أعلنت إدارة الرئيس ترمب نيتها تصنيف الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة لتنظيم الإخوان المسلمين، تنظيمات إرهابية شكك غالبيتنا في صدور ذلك لجهة جهل ترمب ببواطن المسائل والعلاقة الخاصة جدا بين مؤسسات الأمن القومي الأمريكية والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وذلك ما تحقق لاحقا.



فالتنظيم الدولي للإخوان ليس مؤسسة واحدة بل أحجية بالغة التعقيد في علاقاتها مع أجهزة الاستخبارات الغربية وتحديدا الأمريكية والبريطانية. فتلك العلاقة بعمق تمويل تأسيسها في الإسماعيلية عبر هبة من قبل شركة قناة السويس إلى مؤسس الحركة حسن البنا تحت مسمى برامج تطوير التعليم بلغت حينها 20 ألف جنيه ذهب.



فالإخوان جزء من منظومة خطط التحوط لحدوث اجتياح روسي لمناطق النفوذ الأمريكية إبان الحرب الباردة وحليف مباشر فيما عرف لاحقا بالجهاد في أفغانستان. إلا أن شبكتها المالية العنكبوتية كانت هي المثالية في تنفيذ التحولات الاجتماعية المطلوبة تحضيرا لعملية الربيع العربي. وهنا نتحدث عما سمي بالصيرفة الإسلامية غير التقليدية والتي استنزفت من مقدراتنا الكثير دون إضافة تذكر غير أكوام الخيبة، ناهيك عن تمويل مراكز دعوية وإعلامية على يد طارق رمضان حفيد المؤسس حسن البنا.



هؤلاء ما كان لهم أن تحتضنهم لندن ونيويورك لولا ترتيبات خاصة مع مؤسسات أمنية كبرى. وللتدليل على خاصية العلاقة بين التنظيم الدولي للإخوان وهذه الشخصيات، يكفينا مراجعة مرثيات أقطاب التنظيم في الإرهابي عمر عبدالرحمن. كذلك إن ما تسميه أوروبا والولايات المتحدة معززا لثقافة الكراهية والذي يستهدف مجتمعاتنا بشكل مباشر فهو اليوم يبث عبر قنوات ومراكز إعلامية جلها من على أراض بريطانية. أما من كان يصنف ناشطا حقوقيا من أمثال عبدالرؤوف الشايب هو اليوم يرزح في السجون البريطانية على خلفية إدانته بحيازة مواد تستغل في أعمال إرهابية والانخراط في ميادين قتال في الشرق الأوسط.



عندما دعا الراحل الكبير عبدالله بن عبدالعزيز إلى تبني استراتيجية دولية موحدة في محاربة الإرهاب انطلاقا من فرض الاستقرار في سوريا حذر حينها من مغبة التساهل في ذلك الأمر والذي سيقود لوصول الإرهاب إلى ما يتجاوز الشرق الأوسط. وها هي أوروبا اليوم تكتوي بنيران من احتضنت ونتيجة لسياسات لم تنتج غير دبابير قاتلة لكل القيم الإنسانية. فإن كانت أوروبا جادة في محاربة الإرهاب فعليها أولا وفورا تجفيف منابع ثقافته بإغلاق كل مراكز الفحيح الطائفي المنطلق من أراضيها. كما يلزم أن نباعد نحن والتعاطي الأوروبي الأمني والقيمي فيما تصدره من قوانين في حق هؤلاء لأنهم مواطنون أوروبيون أولا قبل أن يكونوا مسلمين. الدور الآن على أوروبا في تحديد ما يتناسب ومصالحها العليا وأمن مواطنيها، ويجب أن يكون تصنيف التنظيم الدولي للإخوان المسلمين منظمة إرهابية شرطا أساسيا في اعتماد استراتيجية حقيقية للقضاء على الإرهاب. فدون سحق رأس الحية المتمثل في مؤسسات ذلك التنظيم المالية فإن الشرق الأوسط لن يستقر، وعلى رئيسة الوزراء البريطانية إثبات ما ادعته في قمة الصخير في ديسمبر 2016 من «أن أمن بريطانيا من أمن دول الخليج العربي». السيدة المبجلة تيرزا ماي، دول مجلس التعاون في انتظار قرارك إلا إذا كانت استثمارات الإخوان في لندن أكبر قيمة من إعادة الأمن الاستراتيجي للمنطقة. واسمحي لنا بالعودة لنصيحة رئيس مجموعة الشرق الأوسط بمجلس العموم البريطاني، دانيال كافشنسكى في أبريل 2015 حيث نصح بضرورة إعادة النظر في منح اللجوء السياسي أو احتضان قادة الإخوان.



[email protected]