نوبة ألم

الجمعة - 24 مارس 2017

Fri - 24 Mar 2017

اكتظ قسم الإسعاف والطوارئ بالمرضى، كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل، يتوسل الأب لطبيب الطوارئ ليباشر حالة ابنه أحمد الذي انتابته نوبة جديدة من آلام (الأنيميا المنجلية) كانت الآلام شديدة للغاية، شعر بها في مفاصله وقدميه وظهره ثم انتقلت إلى صدره مع ضيق في التنفس يكاد يفقده الوعي، العويل والبكاء المتواصلان أربكا الجميع، وبعد محاولات عديدة تمكنت رئيسة الممرضات من العثور على وريد سالك، سمح بمرور وتثبيت إبرة المحاليل ليبدأ طبيب الطوارئ على الفور بتركيب المحاليل الطبية والأدوية المسكنة، حاول طمأنة والده، وأبلغه أنه سيتم إبلاغ الطبيب المناوب في تخصص الأطفال ليباشر الحالة.



في اللحظة التي وصل فيها أخصائي الأطفال والذي كان قد باشر العديد من الحالات المشابهة في السابق، يعلم جيدا أنه لا يوجد أمامه الكثير ليقوم به، كان بصحبته الدكتور صالح الذي أنهى للتو دراسة الطب، وكان في الفترة الأولى في سنة الامتياز. لم تهدأ نوبة الألم، لم يوقفوا زحفه بتلك المسكنات، استبدل العويل والصراخ بالآنين شعر بالغثيان الشديد اقترب منه الطبيب الشاب مسك بيده حاول تهدئته، بدأ بتوجيه الأسئلة ليخفي ارتباكه: هل تشعر بتحسن؟ متى بدأ الألم؟ ما درجته الآن من عشرة؟ لم يجبه.. كان يصارع الألم، لم يصدر عن جسده النحيل غير زفرات وأنين، تطوع والده بالإجابة: يا دكتور ابني أمضى حياته في المستشفيات، بين نوبات الأنيميا المنجلية اللعينة، وبين حالات الإعياء الشديدة والتي تتطلب تزويده بالدم بسبب نقص الهيموجلوبين، وحتى في البيت كنت أراه يبكي بكاء مريرا من شدة الألم، يحاول إخفاء معاناته عني وعن والدته.



كثيرة تلك المرات التي شاهدته يزحف من شدة الألم إلى دورة المياه دون طلب المساعدة، إن قلبي يتمزق، لقد منعت والدته من مرافقتنا هذا اليوم، فهي تزيد سقمه وبؤسه، فما إن يرى دموعها تبلل خديها في كل مرة حتى يحبس آهاته وأنينه تحت أنفاسه، ويقتل مرتين.



طبيب الامتياز الذي بدأ للوهلة الأولى أنه متماسك ويمارس عمله بمهنية، شعر أن تلك العقاقير غير قادرة على إنهاء هذا الوجع والسقم، خلع قفازه وقناعه اقترب منه أكثر كاد أن يحضنه، فتح أحمد عينيه وبصعوبة همس: ساعدني يا دكتور فأنا أموت في كل لحظة.. بعدها أخذ بالاستفراغ على صدر الطبيب الذي حاول أن يلقيه على جانبه الأيمن، كان يستفرغ دما هذه المرة، صرخ الطبيب في من حوله لإمداده بالأكسجين والمزيد من المحاليل والأدوية، مسح وجهه وغسله، أخذ يقبل يديه ويمسح وجهه، أجهش بالبكاء ثم تماسك وأخذ يردد: لا عليك ستتحسن بإذن الله، ستنتهي هذه الآلام بعد دقائق ولن تعود أبدا، تدهورت حالته أصبحت حرجة، حينها أطلت والدته اقتربت منه فيما ابتعد الجميع، أصبح القلق سيد الموقف، شعر الجميع بذلك، ابتسم في وجه أمه أخفى أنينه، وضع رأسه في حضنها، قالت له: ستنتهي نوبة الألم، هز رأسه بنعم.. لم يعد قادرا على الكلام، ثم رفع رأسه ونظر إليها، وظل شاخصا بصره في وجهها، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.