فايع آل مشيرة عسيري

التعليم النشط وتغيير المفاهيم..!

الخميس - 23 مارس 2017

Thu - 23 Mar 2017

أعلم أن هذا المقال سيغيظ كثيرا من المعلمين القدماء والذين سيصبون جام غضبهم عليه وعلى صاحبه، لأنهم يتعاطون مع التعليم بصورة تقليدية راسخة من الصعب جدا تغيير قناعاتهم وهم الذين أمضوا فيه أكثر من عقدين أو ثلاثة وقد تتجاوز كل المراحل لتصل للأربعة عقود!

هم يحكمون على التعليم بمنظورهم الشخصي والذاتي وفق صورة ذهنية ثابتة لا تقبل حتى وجهة النظر ولا الرأي ولا حتى النقاش، وكأن التعليم القديم في شكله التقليدي قد شكلهم على تلك الصورة التي يعز عليهم الخروج منها، تلك الصورة التقليدية التلقينية والتلقينية فقط!

لأنهم يعتقدون بمجرد الخروج من دائرة التعليم التقليدي سيفقدون شخصياتهم المتصالحة مع ذات المنهج، فلذا تجدهم ينافحون بضراوة ويستميتون بكل وسائل الإقناع ويرددون الأسطوانة المصابة بداء التلقين «أنا وأنت وكل الأجيال التي مضت ونجحت في حياتها تخرجت من مدارس التلقين ذاتها»؟!

ولسنا هنا في مجال الإقناع بقدر ما نطرح تساؤلات ونقاشات ومحاولة تغيير قناعات من زوايا مختلفة ومحاولات التطوير التي باتت ضرورة ملحة في عصر تحررت المعلومة وباتت لها الكثير من المصادر ولم تعد حكرا على المعلم أو المعلمة!

وبمجرد السماح لهؤلاء المعلمين أو المعلمات بالخروج من سلطة أفكارهم القديمة الضيقة الأفق سيجدون أنفسهم أمام معارف ومفاهيم وطرق تعليمه حديثه تأخذهم للحركة والإبداع والابتكار والخروج عن رتابة التعليم المملة!

وهذا يقودنا لقصة ذاك المعلم الذي حدثني عنه أحد المشرفين التربويين والذي حضر لدورة تدريبية في «التعليم النشط» لمدة ثلاثة أيام، ومع انطلاقة أول أيام الدورة حضر مبكرا وأخذ يكيل الكثير من التهم لمدير المركز التربوي، وهذه الطرق التي لا فائدة منها، ويثير الكثير من القضايا والتسيب والإهمال، والآن أين سيكون توقيع الدوام، هنا أم هناك، وممكن أكون غائبا في دفتر الحضور المدرسي، وأسئلة تصل لحد الابتذال والإسفاف، وقد يعذر فله أكثر من 33 عاما لم يغب عن المدرسة، ومنذ تلك السنوات لم يوقع تحت خط الدوام و... إلخ، فما كان من مدير المركز إلا أن تعامل معه تعاملا مثاليا جدا طالبا منه الهدوء والحضور أول يوم، فإن وجد جديدا فهذا المهم والمفيد، وإن رأى عكس ذلك فله العودة لمدرسته دون تسجيله غائبا!

دخل المعلم ذو الـ 33 عاما في الميدان التعليمي لقاعة الدورة التدريبية وهو يردد: لأكثر من 33 سنة لم أتغيب عن مدرستي التي عينت فيها، وما زلت إلى هذا اليوم، اللهم أعطنا خير هذا اليوم، دخل أجواء الدورة غير مبال بتلك المفاهيم، ولكنه بدأ يستمع جيدا لتلك الطرق والمفاهيم و»الاستراتيجيات»، وبدأت تتغير مفاهيم التعليم لديه حتى بدأ المشاركة والتفاعل، وحين كان آخر يوم في الدورة قدم اعتذاره لمدير المركز ولمشرف الدورة على قصور فهمه وتقليديته التي لم يسمح لنفسه الخروج منها طيلة ثلاثة عقود ونيف!

في الوقت نفسه لا يمكن أن نسقط طريقة التعليم القديمة (التلقين) من قاموسنا فنحن من أبناء هذا التعليم، ولكن كانت وفق مرحلة معينة في وقت معين، هذا ما جعل التعليم ذاته يتطور ويبحث عن طرق أخرى غير التلقينية التقليدية التي لم تكن تهتم بالطلاب أو الطالبات الأقل فهما ولا الفروقات الفردية والبحث عن طرق أخرى إلا ما ندر، بل إن الكثير من الأجيال السابقة كانوا ضحايا لتلك الطريقة الأحادية!

فقد أثبتت الطرق التدريسية ومنها «التعليم النشط» الحديثة شموليتها على تلمس احتياجات الطلاب والطالبات وقياس مستوياتهم وفق برامج تطويرية تسمح للجميع بإبراز مواهبهم، وتمكنهم من تجاوز عقبات المنهج، هذا التعليم الحديث بكل استراتيجياته يحتاج بيئة تعليمية مناسبة جاذبة كي يبدع المعلم والمعلمة وينعكس ذلك إيجابا على مستويات طلابنا وطالباتنا.

ومضة:

جاء إعلان رؤية السعودية «2030» مواكبا لرسالة التعليم، وداعما لمسيرتها لبناء جيل متعلم قادر على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات مستقبلا وتوفير فرص التعليم للجميع طلابا وطالبات وفق برامج تعليمية وطرق تدريسية واستراتيجيات حديثة في بيئة تعليمية مناسبة ورفع جودة مخرجاته وتشجيع الإبداع والابتكار والبحث العلمي وتنمية الشراكة المجتمعية والارتقاء بمهارات وقدرات منسوبي التعليم.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال