تحديات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

الأربعاء - 22 مارس 2017

Wed - 22 Mar 2017

تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دورا كبيرا في تحريك الاقتصاد وتوفير فرص العمل الكثيرة للشباب بعيدا عن العمل في دواوين الحكومة والقطاع العام، ولهذا تهتم كل الدول بهذا القطاع، وتعمل على تنميته بكل السبل لدوره في زيادة الإنتاج وتفعيل تنوع المشاريع ومحاربة العطالة. ونلاحظ وجود اهتمام في معظم الدول، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية، بقيام هذه المؤسسات والعمل على دعمها وفق بدائل عدة. ولكن علينا التركيز في تثبيت الأسس الصحيحة لتمكين هذا القطاع المهم من أخذ الريادة لتحقيق الفوائد المرجوة لصالح الاقتصاد الكلي، إضافة إلى الحصول على الفوائد الشخصية والذاتية لكل من يطرق هذا الباب الكبير وهم كثر.

إن عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبالرغم من جاذبيته للكثيرين، إلا أنه لا يخلو من بعض التحديات المتعددة والتعقيدات الحساسة. ولقد تبين من التجارب العالمية الثرة أن طريق هذا العمل غير مفروش بالورود وأنه مليء بالتحديات الجسام التي قد تعترض مسيرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومن يعمل فيها. وعلينا الاستفادة قدر المستطاع من التجارب الأخرى، وعلينا أن نحرص للبدء من حيث انتهى من سبقنا. وانطلاقا من هذا الفهم فمن اللازم علينا معرفة التحديات التي مر بها العالم وهو يشهد ويرعى بداية قيام وسير هذه المؤسسات.

في البداية، لا بد من القول إن المشاكل أو التحديات قد تتعلق بالعمل المؤسسي نفسه في عمل المؤسسة أو قد تتعلق بالفرد، أو الأفراد، أصحاب المؤسسة. والنظرة يجب أن تكون شاملة فاحصة لمجابهة كل هذه التحديات مجتمعة لأنها متداخلة فيما بينها. وسنتطرق إلى بعض التحديات بغية معرفة آثارها وكيفية تطوير أفكارنا ورؤيتنا لمقابلتها ومحاولة «حلحلتها» للسير قدما. ومن أهم التحديات المتعلقة بالأفراد من أصحاب هذه المؤسسات تلك الخاصة بعدم وجود الخبرة وضيق التجربة بما يؤثر سلبا ويقود إلى الضبابية في الرؤية وعدم اتزان الخطى. وهذا يتطلب الاهتمام بالعنصر البشري وتدريبه وتأهيله لدرجة تمكنه من السير في الاتجاه الصحيح لتحقيق الفوائد المرجوة.

ومن التحديات المؤسسية المتعلقة بالمؤسسات نفسها نذكر وجود الرغبة الجامحة المقرونة مع الطموح النظري لدى البعض من أصحاب المؤسسات في التوسع السريع للعمل من أجل الوصول للقمة في أسرع وقت ممكن. وهذه مشكلة حقيقية قد تقود إلى انهيار العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لأن أصحابها يتطلعون إلى النمو السريع لتحقيق الكسب السريع، وقد يكون لهذا الوضع علاقة بأعمار أصحاب هذه المؤسسات لأن غالبيتهم من الشباب، وهذه الفئة بحكم وضعها تتعجل الأمور وترغب في الصعود سريعا، وبسب هذه السرعة قد يحدث السقوط. والسرعة في الدخول في المشاريع الكبيرة مثلا يعتبر أمرا خطيرا وهي تنجم عن عدم وجود الخبرة والتجربة لإدارة المشاريع الكبيرة التي قد يتم الدخول فيها دون معرفة المخاطر الخاصة بمثل هذه النوعية من المشاريع الكبيرة. وعليه لا بد من مراقبة هذا الحماس لكبحه إذا تجاوز الحدود وعلى الجهات المختصة والرسمية المراقبة اللصيقة، والتدخل في الوقت المناسب بنصح الشباب من أصحاب هذه المؤسسات للتريث في البداية و»مد رجولهم قدر لحافهم». وهذا يتطلب وجود علاقة مباشرة ومستمرة بين الجهات الرسمية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ومن التحديات المؤسسية، عدم القدرة على تبني استراتيجيات واضحة تحدد ما تقوم به هذه المؤسسات من أعمال وما تنتجه من هذه الأعمال، وكيفية تسويق هذه المنتجات، ومتى يبدأ التسويق الصحيح؟ وكيف يتم؟ ومن يقوم به؟ ومتى يتم التوسع في المنتجات؟ ومتى يتم تحديث هذه المنتجات لمسايرة متطلبات المستهلك وأحكام السوق..؟ ولذا يجب على الجهات الرسمية التي تم تأسيسها لخدمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهي كثيرة، مساعدة المؤسسات في وضع الاستراتيجيات المناسبة لكل مؤسسة. وكل مؤسسة يتم التعامل معها وفق وضعها من حيث رأس المال، الإدارة، الجاهزية، نوع العمل.. ولذا يجب على الجهات المختصة والرسمية بذل كل الجهد والريادة من أجل تقديم الدعم والمساعدة المثلى، وفي الوقت المناسب، للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

من التحديات الكبيرة، عدم حصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التمويل الكافي للقيام بأعمالها، خاصة أنها في بداية نشاطها وفي الغالب ليس لها أي ضمانات لتأمين تغطية التمويل. وهذه المشكلة قائمة في كل مكان وكل زمان، ولذا لا بد من البحث الجاد لإيجاد وتوفير البدائل المناسبة لتمويل هذه المؤسسات حتى تستمر في أعمالها. ومن أهم القرارات التي اتخذتها بعض الدول تأسيس «مؤسسة أو جهة قومية لضمان تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة» عندما تفشل في مقابلة التزاماتها لأسباب مؤسسية وتجارية. ومثل هذا الإجراء يعتد، في نظرنا، نقطة جوهرية لدعم وتمكين هذه المؤسسات من الاستمرار في نشاطاتها وعملها لرفد الاقتصاد الوطني، لأن هناك من يضمنها وفق أسس علمية وعملية.

وقد تنجح بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على التمويل ذاتيا أو من جهات ذات علاقة تقوم بتوفير كل الأموال المطلوبة لدعم المشروعات والنشاطات، ولكن هذه المؤسسات، في نفس الوقت، قد تفشل في الحصول على الموارد البشرية المطلوبة للقيام بالأعمال وتنفيذ المشروعات وفق الطرق الفنية الصحيحة، ويجب تدارك هذا الوضع بالبحث عن الكفاءات النشيطة والراغبة في العمل على أن يتم تدريب هذه الكفاءات أثناء العمل وفق خطط تدريبية مدروسة وناجحة من النواحي العملية. وهنا يجب على المؤسسات الرسمية تكثيف الجهود من أجل تدريب الشباب ليتمكنوا من القيام بمهامهم عند الانخراط في العمل في هذه المؤسسات أو عند تأسيسهم لها.

ما تقدم يمثل بعض التحديات التي تعترض قيام وأعمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهذه التحديات، بالضرورة، تؤثر على كل مؤسسة وفق وضعها ووفق إمكاناتها ومن يقوم برعاية أعمالها ونوعية هذه الأعمال. وهذه التحديات أيضا تختلف من مكان لآخر، ولكنها قطعا موجودة وبصورة ملموسة، ولذا يجب على الجهات الرسمية دراسة هذه التحديات والعمل على تطويعها أو القضاء عليها بكل السبل حتى تنفتح الأبواب أمام هذه المؤسسات الواعدة للقيام بدورها المنشود، خاصة أنها تمثل المستقبل الموعود بالنماء لخير المملكة وشبابها. وقطعا، هذا في الإمكان.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال