عيد الأم

الثلاثاء - 21 مارس 2017

Tue - 21 Mar 2017

قال الله تعالى في سورة لقمان «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون».

فالله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بطاعة الوالدين، بل وحتى قرن تعالى الأمر بالإحسان إليهما بعبادته، لمكانتهما وما يجب أن يكون كذلك شأن الوالدين عند الأبناء.

فالأم هي مصدر الحنان والرحمة ولا يعرف ذلك حقيقة إلا من فقدها.. عندها سوف يشعر بالضياع؛ الكل ينادي «أمي» وهو يجلس يرمق من ينادي أمه فيشعر بمرارة اليتم تسري في جنبات جسده فتترجم إلى دموع وآهات ملتهبة يغذيها الحزن وألم فراق الأم..

«أمي» معناها حياتي التي تسري بين جنبي.. معناها الحضن الدافئ واللمسات الحانية.. فهل يكفي يوما واحدا لنجعله عيدا للأم؟!.. ألا يجب أن تكون كل الأيام معها وفي كنفها أعيادا؟!.. لأننا لا نشعر بفقدان هذا العيد إلا يوم فقدان تلك الأم.. فالعيد ليس إلا فرحا وابتسامات وبهجة؛ أو ليست الأم هي هذه الصفات؟!.. إذن نحن في عيد طالما أننا بالقرب من أمهاتنا، فإذا ما غادرتنا انقطعت أعيادنا.. فما أسعد من كانت لديه أم.

حقيقة وأنا أسطر هذه الكلمات تكاد العبرات تخنقني وأناملي ترتجف وتكاد تخونني عن إكمال هذه الأسطر، لأنني يوم فقدت «أمي» أحسست باليتم وأنا رجل كبير بل ومتزوج، فنحن مهما كبرنا نظل أطفالا عند أمهاتنا، فما إن يداهمنا الهم والحزن حتى نهرع إلى تلك الصدور الحانية ونهرول إلى الحضن الذي لا يمكن مهما كبرنا أن يعافنا أو يصدنا أو نستغني عنه.

ولقد قال الله تعالى منبها إيانا «ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما»، ولفظ «أف» هي اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر.. وهي في ميزان الكلمات لا تعني الكثير ولكن في ميزان ديننا الحنيف فهي كبيرة من الكبائر.

ومن يحتفلون بيوم واحد للأم فهم قد هضموا حقها.. يوم واحد نحتفي ونحتفل بالأم وطوال العام نجابهها ونواجهها بالعقوق.. أليس هذا هو الظلم بعينه؟..

كيف لنا أن نحتفل ونجعل للأم عيدا وهي أجمل أعياد حياتنا؟!.. أيتها «الأم» يا أجمل أعياد الدنيا.. يا أرق وردة نبتت في دنيا الناس ونشرت عبيرها وشذاها الفواح وعمت بأريجها كل الأكوان.

يا فطاحلة اللغة والبلاغة دلوني على كلمة في قاموسكم تجسد معنى الرحمة والحنان والتضحيات أجمل من كلمة «أمي».. أمي يا نبع الحنان الذي يروي كل الظامئين العطشى السائرين في رمضاء هذه الحياة وهجيرها.

فيا أيها الشباب والشابات.. يا من اشتد عودكم بعد أن كنتم نطفة في بطون أمهاتكم وعانت من حملكم وهنا على وهن، وقاست آلام الوضع والله أعلم بما عانت وقاست، وأرضعتكم حينما لم تكونوا قادرين على رفع أيديكم إلى أفواهكم، وسهرت لأجلكم الليالي الطوال وجافى جفونها النوم من أجل راحتكم وسعادتكم وهنائكم وهدهدتكم في أسرتكم ولسان حالها يقول:

لو جاء يوم يفرق بيننا بموت.. فكن أنت الذي يتأخر.

وهل يكون جزاء من كانت هذه حالها معكم أن تواجه بالعقوق ونكران الجميل؟! وأي جميل أكبر مما صنعت هذه الأم؛ احرصوا على سعادتها عند كبرها ولا تتوانوا في الحدب عليها وابتغاء رضاها فإن رضا الله من رضا الوالدين.

أخيرا.. فإن أفضل ما يكون مسك الختام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله أحد الصحابة عمن يكون أحق بحسن الصحبة، فقال صلى الله عليه وسلم (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك).. فصلى الله على معلم الناس الخير وعلى آله وصحبه وسلم.