أزمة تقاسم السلطة في باكستان

منذ بدايات شهر أغسطس، تتصارع باكستان مع نفسها مرة أخرى

منذ بدايات شهر أغسطس، تتصارع باكستان مع نفسها مرة أخرى

الأربعاء - 10 سبتمبر 2014

Wed - 10 Sep 2014



منذ بدايات شهر أغسطس، تتصارع باكستان مع نفسها مرة أخرى. هناك جماعتان معارضتان قامتا بشل الحكومة الفيدرالية والعاصمة على مدى أسابيع من خلال احتجاجات في الشوارع تحولت في النهاية إلى أعمال عنف. عمران خان يعتقد، بدون دليل مستقل، أن انتخابات العام الماضي كانت مزورة وأن ذلك حرمه من السلطة. حليف عمران خان، الدكتور طاهر القادري، عاد من منزله في كندا ليقوم بـ»ثورة» ضد الفساد.

رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف تعامل مع الدعوات لاستقالته بشيء من الصرامة. أحيانا كان يفقد أعصابه ويأمر بقمع الاحتجاجات، مما أدى لقتل ثلاثة على الأقل ووقوع مئات الجرحى. في وقت سابق، أساء شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء وحاكم إقليم البنجاب، التعامل مع أنصار الدكتور القادري وتسببت ممارسات شرطة الإقليم بمقتل 14 شخصا في يونيو. كل هذا في الوقت الذي لا تزال الحكومة المنتخبة تنظر بعين الشك إلى المؤسسة العسكرية التي لا تزال تملك سلطة كبيرة على السياسة الداخلية والخارجية للبلد. السيد نواز ريف له تاريخ سيئ في المواجهات مع الجيش وفي 1993 و1999 حاول أن يتخلى عن منصبه قبل إكمال فترته الدستورية. في 1999، واجه نواز شريف إهانة إضافية حين أطاح به انقلاب عسكري بقيادة الجنرال مشرف واضطر للبقاء في المنفى لمدة 7 سنوات.

ربما كانت هذه الذكرى المريرة هي التي جعلته يحاكم الجنرال مشرف بتهمة الخيانة والقيام بانقلاب ثاني في نوفمبر 2007. إدانة الجنرال مشرف كان معناها أن النخبة السياسية كسرت المحرمات التي كانت تمنع محاسبة الجنرالات. ومع أن ذلك كان تطورا جيدا في مسار الديمقراطية الباكستانية، فقد اعتبر كثيرون، خاصة من العسكريين، هذا الأمر انتقاما شخصيا للسيد نواز شريف. ما أعطى مصداقية لهذا المفهوم هو أن مساعدي الجنرال مشرف المقربين من العسكريين والمدنيين لم يتم توجيه الاتهام لهم. والأسوأ من ذلك أن بعض مناصري الجنرال مشرف هم حاليا أعضاء في الرابطة الإسلامية الباكستانية، حتى إن بعضهم يتولى مناصب وزارية. في مايو 2014، قام السيد نواز شريف بعمل آخر مثير للجدل حيث انحاز علنا إلى إحدى شبكات التلفزيون الرئيسية في البلد التي اتهمت رئيس الاستخبارات الباكستانية (ISI) بالقيام بمحاولة الاغتيال ضد صحفي بارز.

كانت تلك نقطة تحول إلى حد ما. تمت معاقبة الشبكة التلفزيونية وإطلاق حملة إعلامية لإصلاح الأمر. وبهذا استعادت المؤسسة العسكرية الباكستانية مكانتها السابقة. ويبين آخر استطلاع للرأي قامت به مؤسسة بيو أن 87% من الباكستانيين يعتبرون المؤسسة العسكرية تمارس نفوذا جيدا في البلد.

النموذج التركي في التوصل إلى سيطرة مدنية تدريجية على الجيش يثير إعجاب النخبة السياسية في باكستان. لكن المثال التركي مضلل إلى حد ما لباكستان. الحكومات المدنية المقيدة بعوامل متعددة، بما في ذلك الصراع الإقليمي، لم تقدم إنجازات اقتصادية بعد. كما أن الناتو والاتحاد الأوروبي لعبا دورا في تحفيز الإصلاح في تركيا. لكن السيد نواز شريف، بالرغم من عيوبه، يمتلك قدرات جيدة: فهو يتمتع بشعبية مع قطاع الأعمال في باكستان، ويعد بتطوير البنية التحتية، وتحرير وتوسيع التجارة الإقليمية. في البنجاب، تتمتع الرابطة الإسلامية بقيادة نواز شريف بدعم واسع. هذا سبب آخر يجعل الصراع السياسي بين نواز شريف والجيش هاما.

في 2014، رغم القيود الهيكلية، يبدو أن الديمقراطية في باكستان أكثر مرونة. في جلسة تاريخية للبرلمان الباكستاني، أعادت معظم الأحزاب السياسية ثقتها بالحكم الديمقراطي. لذلك فإن عمران خان أصبح معزولا وتناقصت حشود المحتجين. هناك مفاوضات للخروج بشرف من هذا المأزق. الجيش لا يريد تحمل مسؤولية حكم البلاد ويفضل تعزيز مكاسبه ضد المتمردين.

هل باكستان تتجه نحو ترتيب جديد لتقاسم السلطة: رئيس وزراء مدني ضعيف يعمل مع مؤسسة عسكرية متراجعة –وكلاهما يعرفان حدودهما؟ إذا بقي في منصبه، سيكون على نواز شريف أن يركز على القضايا الرئيسية للبلد: الإصلاحات السياسية والاقتصادية؛ مواجهة التشدد وتحقيق مستوى أعلى من النمو الاقتصادي يولد ما يكفي من فرص العمل للعدد المتنامي من السكان الشباب في باكستان. على أقل تقدير، سيحتاج نواز شريف لتغيير أسلوب الحكم والعثور على طرق للتعامل مع المؤسسة العسكرية بطريقة دستورية، مستخدما البرلمان لمصلحته. ومن جانبها، سيكون على المؤسسة العسكرية إعادة التفكير بعقيدتها في الأمن القومي. أقل متطلبات استمرار الأمن القومي هو الازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي. سيكون على رئيس الوزراء وشقيقه إيجاد طريقة للعمل معا من أجل المصلحة العامة وعدم السماح لباكستان بالعودة إلى صورتها الهزلية السابقة.