رهام فراش

ديكور متمرد

الاثنين - 20 مارس 2017

Mon - 20 Mar 2017

كانت منتفخة الملامح يظهر عليها التكلف المصطنع الذي اتضح أنه يشبهها تماما من الداخل. اعتقدت أن الوظيفة الأكاديمية والنظريات المجردة بقاعات المحاضرات، والألقاب المعلبة للدرجات العلمية تعطيها الحق أن تقف من برجها العاجي لتلقي برأيها المعصوم من الخطأ على كل من يصغرها سنا وخبرة!



انتظرت الفرصة المناسبة وهجمت بكل ما أوتيت من قوة مزيفة منحتها إياها مكانتها الاجتماعية على رأي السيدة التي تجلس أمامها مباشرة في قاعة كبيرة تضم أشخاصا من مناصب مختلفة اجتمعوا بغرض مناقشة مبادرة اجتماعية من شأنها أن ترقى بالفكر والأخلاق في واقع يئن من وطأة العنصرية والتفكك الأسري والإرهاب والتذبذب الاقتصادي وسلطة الرأي الواحد والافتقار للإبداع والابتكار.



لم تحتمل ثناء الحاضرين على رأي السيدة التي كانت من جيل يصغرها سنا، وظنت أن الحكمة والحديث المتزن حكر على جيلها وأعضاء هيئة التدريس من زملائها وزميلاتها، فوصفت كلامها بالطائش الذي لا يستغرب من جيل مغرور يعتقد أنه على حق وينكر على من سبقه الصواب المطلق وينعته بالرجعية والتمسك بالنظريات البعيدة عن مواكبة الواقع المعاصر وتجديد الخطاب والبعد عن القدسية للمناصب والأشخاص.



ختمت هجومها بمقولة (هكذا أتحدث مع طالباتي) وتركت كل الموجودين في حالة وجوم واستنكار لموقفها وكلماتها غير المبررة سوى أنها لا تقبل أن تنصاع للواقع الذي لن يستقيم إلا بشراكة حقيقية في الفكر والعمل والحوار بين الشباب ومن سبقهم لمد جسور التواصل ونقل الخبرة من الجيل الأول لطاقة الشباب وحماسهم وانفتاحهم على أدوات العصر الذي لا يحتمل التزمت ولا الرأي الواحد، أو فرض القناعات وتلقينها دون الأخذ بالاعتبار المعطيات الجديدة لزمن قفز من الغرف المغلقة والنظريات إلى الشوارع والتطبيق وإعادة صياغة المفاهيم.



من يعتقد أن الشباب ينتظر الفرصة ليأخذ دوره في التعبير والتغيير مخطئ، فقد انتزع حقوقه رغما عن الجاهلين والحاقدين، خاض صولات وجولات، منها العشوائي والمتخبط، وآخر انتزع الاعتراف بالنجاح والجرأة في الحق التي عجز عنها كثير ممن يكبرهم سنا وخبرة حين نظر لهم البعض بإعجاب لأنهم فعلوا ما لم يكن في حسبانهم، والذي قد يكون في قرارة نفوسهم أمنية قديمة حلموا بها ولم يمتلكوا الإرادة والجرأة الكافية لتحقيقها.



لا سبيل للنهضة إلا بالشراكة الحقيقية بين الخبرة والطاقة، بين الشاب والمستشار ليكون لكل منهم دوره في المرحلة القادمة التي لا تحتمل الغرور ولا إغفال الحقائق الواضحة كالشمس أن الواقع فرصة أما أن تستغل بوعي وحكمة للاستفادة من العنصر البشري الشاب وتمكينه والثقة في قدراته والسير بمحاذاته جنبا لجنب والأخذ برأيه وتفعيله بعيدا عن الشعارات المزيفة التي تجعلهم يتوهمون أنهم مقدرون وفي أول فرصة حقيقية لإثبات حسن النية والرغبة الجادة يكتشفون أنهم مجرد ديكور كمالي تمت الاستعانة برأيهم لنفي التهمة عنهم في إقصاء الجيل الجديد، وتكون المخرجات أجندة تم اعتمادها مسبقا من الصفوة النخبوية لاعتقادهم يقينا مجحفا أنهم الأقدر والأجدى على رسم ملامح المرحلة القادمة في معزل عن طيش الشباب وغرورهم.



لم يعد لعداد العمر ولا حسابات الشهادة والكرسي والمنصب أي قيمة تقدر إذا ما كانت هناك فئة عقلانية منصفة تعترف بأن النضج والنجاح لا يخضع لمعايير ثابتة، وأن الأقدر والأنجح هو من ينزل للميدان وينجز ويحفر في الصخر ويخلد التاريخ اسمه مع البصمة التي تركها دون الالتفات لاعتبارات وهمية تعرقل التطور وتقف عقبة أمام النهضة بحجج واهية تحت مسمى نقص الخبرة أو حداثة السن أو عدم وجود مؤهل علمي أكاديمي وشهادة من جامعة مرموقة.