الأذكياء ليسوا دائما هم الأفضل!

الجمعة - 17 مارس 2017

Fri - 17 Mar 2017

هناك اعتقاد سائد أن العلاقة بين الذكاء والنجاح في الحياة علاقة طردية، فكلما زاد معدل ذكاء الشخص زادت فرص نجاحه وتفوقه في عمله وعلاقاته الاجتماعية، بمعنى أن الأشخاص الأذكياء هم أكثر نجاحا وتفوقا في حياتهم من غيرهم، لكن الدراسة التي أجراها عالم النفس في جامعة ستانفورد الأمريكية لويس ماديسون تيرمان أثبتت عكس ذلك.!

في بداية القرن الماضي وتحديدا عام 1921 أراد تيرمان وفريقه البحثي التعرف على الصفات والخصائص التي تميز الأذكياء عن غيرهم، وما ستؤول إليه أحوالهم في الحياة عندما يكبرون، بالإضافة إلى دحض الرأي السائد آنذاك أن الأطفال العباقرة لديهم علل شخصية واجتماعية.

كان مشروع الدراسة التتبعية يقوم على انتقاء عينة مكونة من 1528 طفلا من طلاب المدارس تزيد نسب ذكائهم عن 140 وفقا لاختبار ستانفورد بينت للذكاء من مجتمع يقدر بأكثر من ربع مليون طالب وطالبة من مدارس ولاية كاليفورنيا الأمريكية؛ حيث كان الاعتقاد أن هؤلاء الأطفال الأذكياء هم الأفضل جينيا، وبالتالي عندما يكبرون سيصبحون بلا شك قادة في مجالات أعمالهم ومن نخبة المجتمع!

في عام 1925 نشرت نتائج المراحل المبكرة للدراسة تحت عنوان «السمات العقلية والبدنية لألف طفل موهوب»؛ وفي عام 1927 استكملت الدراسة التتبعية لهم، حيث كان متوسط أعمار الأطفال في ذلك الوقت بين 16-17 عاما في مستوى المرحلة الثانوية؛ ثم استمرت متابعة الحياة المهنية والشخصية لهم بعدما تجاوزوا الثلاثين من عمرهم لمدة 35 عاما؛ وقد ثبت أنهم أصبحوا راشدين وأصحاء ومتزنين وسعداء وناجحين في حياتهم العملية والاجتماعية كغيرهم من الأطفال الآخرين!

استمر الفريق البحثي بعد وفاة تيرمان عام 1956 في متابعتهم ولم تنقطع الدراسة حتى عام 1986 مما يجعلها من أطول الدراسات الاجتماعية في تاريخ علم النفس؛ وقد نشرت جامعة ستانفورد في عام 1959 جزءا من النتائج في كتاب بعنوان «مجموعة الموهوبين في منتصف العمر: متابعة 35 سنة للطفل المتفوق»؛ وبعد 35 عاما من متابعة تيرمان للأطفال الأذكياء، وبعد أن تابعهم فريقه البحثي بعد وفاته لمدة ثلاثين عاما إضافية لم تكن النتيجة متوقعة فقد حقق قرابة السبعين فقط من أولئك الأطفال إنجازات مميزة محلية، ويرجع الفضل فيها إلى تيرمان نفسه الذي منحهم خطابات توصية وساهم في تلميع إنجازاتهم.!

وفي حقيقة الأمر فإن أولئك الأطفال بعد أن أصبحوا راشدين لم يكونوا من القادة في تخصصاتهم، أو من نخبة المجتمع كما ادعى تيرمان وفريقه، فلم يحقق أحد منهم إنجازا فريدا من نوعه، أو جائزة عالمية كجائزة نوبل مثلا؛ في المقابل نجد أن كثيرا من الأطفال الذين لم يصنفوا على أنهم أذكياء أو عباقرة في مدارسهم حصلوا على جوائز عالمية وأصبحوا من النخبة في مجتمعاتهم، فتوماس أديسون من أعظم المخترعين في التاريخ لم يتلق تعليما رسميا إلا لثلاثة أشهر فقط؛ وستيف جوبز مؤسس شركة أبل لم يكمل تعليمه الجامعي وغيرهما كثير.!

أخيرا...إن معدل الذكاء العالي والتفوق الدراسي لا يعني بالضرورة إبداعا ونجاحا أفضل، فهناك عوامل أخرى تحكم النجاح والتميز في الحياة العملية والاجتماعية، منها صفات شخصية مثل الإصرار والصبر والمثابرة والثقة بالنفس والطموح؛ بالإضافة إلى وجود بيئة عائلية ومجتمعية حاضنة ومحفزة للإبداع!

الأكثر قراءة