آلاء لبني

تطرف أم تشدد أم لين!

الخميس - 16 مارس 2017

Thu - 16 Mar 2017

كل معرض كتاب بالرياض تصحبه فعاليات من نوع آخر (أكشن) تبرهن مدى قوة تجذر الاختلاف بين التيارات، التشدد الديني له أنصاره الذين صفقوا بحفاوة للمحتسب بيض الله وجهه! كف الأذى بإيقاف المهازل، وللأسف الأغلبية تعلل وتشرح أن هذا هو الدين القويم وما سيجعلنا الأمة الناجية بإذن الله من كل المصائب!

البعض يرى المشكلة في قرب الفرقة الماليزية من المصلى، وهذا أمر إن ثبت فمرده للجنة التنظيم واختيارها موقعا غير مناسب، وليس على الضيوف، وآخرون يستندون على تحريم الموسيقى والذي هو أمر محل خلاف، وآخرون يربطون بين أن لا وجه علاقة بين معرض الكتاب والثقافات والموسيقى..إلخ، مع العلم أن هذا أمر لم تبتدعه وزارة الثقافة والإعلام بالمملكة، ومن زار معارض كتب في دول أخرى يعرف هذا، القصة الرئيسة هي هذا المنظر الذي ذهل منه الماليزيون، شيء مخز لا يعالج، من وجهة نظري، إلا باعتذار رسمي، الخلاف بين تقبلنا وثقافتنا لا يتحمله الضيف وليس مسؤولا عنه.

والأجدى بالمخرب (المحتسب) أن يتجه ويطلب أحد المسؤولين عن التنظيم وينصحهم ويوجههم بخصوص مكان المصلى إن كان غير ملائم، أو حتى إن كان يرى بتحريم الموسيقى ويريد إنكار المنكر، فلينكره بكل الأساليب التي تعبر عن رأيه بأسلوب راق وحضاري يكفل احترام قيمنا واستضافة دولتنا لماليزيا رسميا، أما من يسرع ويتجه بعاطفته لتأييد المحتسب فأذكره بقول الله تعالى (اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)، مع طغيان فرعون يوجه الله موسى وأخاه بالقول اللين! وقصة الأعرابي الذي نجس المسجد ورد فعل النبي وتعامله معه! أين نحن من أصل الدين وفهمه؟ أين نحن والتربية الأخلاقية التي تؤثر على السلوك وتهذب النفس وتحسن التعامل مع الآخرين؟ (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

أين جذور مشكلة التشدد؟ هل وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن كل المصائب؟ بالتأكيد لا، فالبيت والمدرسة والمجتمع بأكمله شركاء، وسأتغاضى عن البيت لوقت آخر، وسأعلق على المدرسة، ذاك المجتمع الكبير بالنسبة للطالب، ماذا يتلقى فيه؟ وأقتبس هنا من كتاب وزير التعليم أحمد العيسى بالنص «وإضافة إلى طغيان تدريس المقررات الشرعية في مراحل التعليم العام كافة، فإن صياغة مناهج تلك المقررات قد جاءت من خلال الاحتفاظ بالسياق العام لمفاهيم السلف واستدلالاتهم، وليس بأساليب حديثة تجعل الطلاب أكثر فهما لمدلولاتها، كما أن تدريس تلك المواد يعتمد بشكل كبير على الحفظ والتلقين والتكرار، والتركيز على الأحكام في العقيدة والفروض والتشريع، وبيان الحلال والحرام بشكل قاطع، مما يفقد تلك المناهج التأثير العميق في نفوس التلاميذ من خلال غرس التربية الإيمانية لتؤثر في سلوكياتهم».

وليت المشكلة توقفت عند المنهج وبعض الآراء التي تصاغ كأنها الرأي الوحيد المطروح دينيا، بل المشكلة ببعض المعلمين وأفكارهم المتشددة التي يغرسونها، والتي تعد أكبر خطرا وأشد تأثيرا. وأورد هنا قصة حدثت في أحد الفصول الدراسية، يشرح المعلم درسا عن التصوير لمنهج التوحيد بالصف الأول المتوسط وتحريم تصوير ما له روح كصناعة التماثيل والرسم باليد..إلخ، ويأتي عند قراءة سطر من الكتاب (يجب طمس الصور المحرمة حتى تزول ملامحها) استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته)، يسأل طالب أستاذه: جارنا لديه تمثال صقر عند مدخل بيته، قال: اذهب وانصحه بأن هذا حرام، وآخر يسأل عن هدم التماثيل والآثار الذي تقوم به داعش؟

هنا تنتهي القصة وتبدأ قصص أخرى أصلها جذور من التشدد وقصور الفهم، ولعلنا نعرف لماذا لم يهدم عمر بن الخطاب الآثار الفرعونية؟ ولا ننسى رد المتشددين بأن هذه الآثار كانت مدفونة! وتناسوا جميع الآثار الموجودة في البلدان التي فتحها الخلفاء الراشدون.

الخلاصة، استودعوا أبناءكم دينهم ومعتقداتهم وأفكارهم حتى لا يصيبها أي جنون.